الطويلة ما نجع فيهم البلاغ والانذار فأنت يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك ولا تحزن عليهم فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وبيده الامر وإليه ترجع الأمور (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) الآية واعلم أن الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك ويذل عدوك ويكبتهم ويجعلهم أسفل السافلين. قال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: بعث نوح وهو لأربعين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا وقال قتادة يقال إن عمره كله ألف سنة إلا خمسين عاما لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة ودعاهم ثلثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين عاما وهذا قول غريب وظاهر السياق من الآية أنه مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما. وقال عون بن أبي شداد إن الله تعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنة فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة وهذا أيضا غريب رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقول ابن عباس أقرب والله أعلم. وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر كم لبث نوح في قومه؟ قال قلت ألف سنة إلا خمسين عاما قال فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا وقوله تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة) أي الذين آمنوا بنوح عليه السلام وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا في سورة هود وتقدم تفسيره بما أغنى عن إعادته: وقوله تعالى: (وجعلناها آية للعالمين) أي وجعلنا تلك السفينة باقية إما عينها كما قال قتادة أنها بقيت إلى أول الاسلام على جبل الجودي أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان كما قال تعالى:
(وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون - إلى قوله - ومتاعا إلى حين) وقال تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) وقال ههنا (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين) وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس كقوله تعالى: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) أي وجعلنا نوعها رجوما فإن التي يرمى بها ليست هي زينة للسماء وقال تعالى: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) ولهذا نظائر كثيرة وقال ابن جرير لو قيل إن الضمير في قوله: (وجعلناها) عائد إلى العقوبة لكان وجها والله أعلم.
وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (16) إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له.
إليه ترجعون (17) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلغ المبين (18) يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء إنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له والاخلاص له في التقوى وطلب الرزق منه وحده لا شريك له وتوحيده في الشكر فإنه المشكور على النعم لا مسدي لها غيره فقال لقومه (اعبدوا الله واتقوه) أي أخلصوا له العبادة والخوف (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) أي إذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير في الدنيا والآخرة واندفع عنكم الشر في الدنيا والآخرة ثم أخبر تعالى أن الأصنام التي يعبدونها لا تضر ولا تنفع وإنما اختلقتم أنتم لها أسماء فسميتموها آلهة وإنما هي مخلوقة مثلكم هكذا رواه العوفي عن ابن عباس وقال مجاهد والسدي وروى الوالبي عن ابن عباس وتصنعون إفكا أي تنحتونها أصناما وبه قال مجاهد في رواية وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم واختاره ابن جرير رحمه الله. وهي لا تملك لكم رزقا (فابتغوا عند الله الرزق) وهذا أبلغ في الحصر كقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) ولهذا قال (فابتغوا) أي فاطلبوا (عند الله الرزق) أي لا عند غيره فإن غيره لا يملك شيئا (واعبدوه واشكروا له) أي كلوا من رزقه واعبدوه وحده واشكروا له على ما أنعم به عليكم (إليه ترجعون) أي يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله وقوله تعالى: (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم) أي فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل (وما على الرسول إلا البلاغ