هدى (10) من ههنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه وذلك بعد ما قضى موسى الاجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم وسار بأهله قيل قاصدا بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ومعه زوجته فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية ونزل منزلا بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليوري نارا كما جرت له العادة به فجعل لا يقدح شيئا ولا يخرج منه شرر ولا شئ فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه فقال لأهله يبشرهم " إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس " أي شهاب من نار وفي الآية الأخرى " أو جذوة من النار " وهي الجمر الذي معه لهب " لعلكم تصطلون " دل على وجود البرد وقوله " بقبس " دل على وجود الظلام وقوله " أو أجد على النار هدى " أي من يهديني الطريق دل على أنه قد تاه عن الطريق كما قال الثوري عن أبي سعد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله " أو أجد على النار هدى " قال من يهديني إلى الطريق وكانوا شاتين وضلوا الطريق فلما رأى النار قال إن لم أجد أحدا يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها.
فلما أتاها نودي (11) إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى (12) وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (13) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (14) إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس يقول تعالى " فلما أتاها " أي النار واقترب منها " نودي يا موسى " وفي الآية الأخرى " نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله " وقال ههنا " إني أنا ربك " أي الذي يكلمك ويخاطبك " فاخلع نعليك " قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد، من السلف كانتا من جلد حمار غير ذكي وقيل إنما أمره بخلع نعليه تعظيما للبيعة وقال سعيد بن جبير كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة وقيل ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافيا غير منتعل وقيل غير ذلك والله أعلم. وقوله " طوى " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو اسم للوادي وكذا قال غير واحد فعلى هذا يكون عطف بيان وقيل عبارة عن الامر بالوطئ بقدميه، وقيل لأنه قدس مرتين وطوى له البركة وكررت والأول أصبح كقوله " إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى " وقوله " وأنا اخترتك " كقوله " إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي " أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه وقد قيل إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس؟ قال لا قال لاني لم يتواضع إلي أحد تواضعك، وقوله " فاستمع لما يوحى " أي استمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك " إنني أنا الله لا إله إلا أنا " هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقوله " فاعبدني " أي وحدني وقم بعبادتي من غير شرك " وأقم الصلاة لذكري " قيل معناه صل لتذكرني وقيل معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي ويشهد لهذا الثاني ما قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال وأقم الصلاة لذكري " وفي الصحيحين عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك " وقوله " إن الساعة آتية " أي قائمة لا محالة وكائنة لا بد منها وقوله " أكاد أخفيها " قال الضحاك عن ابن عباس إنه كان يقرؤها أكاد أخفيها من