أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخرج الزكاة من مالك إن كان فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين " فقال يا رسول الله أقلل لي؟ قال " فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " فقال حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها وإثمها على من بدلها " وقوله: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ولهذا قال " وكان الشيطان لربه كفورا " أي جحودا لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته بل أقبل على معصيته ومخالفته، وقوله: " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك " الآية أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شئ وأعرضت عنهم لفقد النفقة " فقل لهم قولا ميسورا " أي عدهم وعدا بسهولة ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله هكذا فسر قوله " فقل لهم قولا ميسورا " بالوعد: مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا (29) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا (30) يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذاما للبخل ناهيا عن السرف " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك " أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطي أحدا شيئا كما قالت اليهود عليهم لعائن الله يد الله مغلولة أي نسبوه إلى البخل تعالى وتقدس الكريم الوهاب وقوله: " ولا تبسطها كل البسط " أي ولا تسرف في الانفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا وهذا من باب اللف والنشر أي فتقعد إن بخلت ملوما يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة.
ومن كان ذا مال فيبخل بماله على قومه يستغن عنه ويذمم ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شئ تنفقه فتكون كالحسير وهو الدابة التي قد عجزت عن السير فوقفت ضعفا وعجزا فإنها تسمى الحسير وهو مأخوذ من الكلال كما قال " فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " أي كليل عن أن يرى عيبا هكذا فسر هذه الآية بأن المراد هنا البخل والسرف: ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها فلا تتسع " هذا لفظ البخاري في الزكاة وفي الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ولا توعي فيوعي الله عليك ولا توكي فيوكي الله عليك " وفي لفظ " ولا تحصي فيحصي الله عليك " وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قال أنفق أنفق عليك " وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا " وروى مسلم عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا " ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبدا أنفق إلا عزا ومن تواضع لله رفعه الله " وفي حديث أبي كثير عن عبد الله بن عمر مرفوعا " إياكم والشح