يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا (2) يقول تعالى حامدا لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم كما قال تعالى " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات " الآية وقال ههنا " تبارك " وهو تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة " الذي نزل الفرقان " نزل فعل من التكرر والتكثر كقوله " والكتاب الذي نزل على رسوله * والكتاب الذي أنزل من قبل " لان الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة والقرآن نزل منجما مفرقا مفصلا آيات بعد آيات وأحكاما بعد أحكام وسورا بعد سور وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناء بمن أنزل عليه كما قال في أثناء هذه السورة " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا، ولا يأتونك بمثل إلا جئنا ك بالحق وأحسن تفسيرا " ولهذا سماه ههنا الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال، والغي والرشاد والحلال والحرام وقوله " على عبده " هذه صفه مدح وثناء لأنه أضافه إلى عبوديته كما وصفه بها في أشرف أحواله وهي ليلة الاسراء فقال " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا " وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه " وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا " وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " وقوله " ليكون للعالمين نذيرا " أي إنما خصه بهذا الكتاب المفصل العظيم المبين المحكم الذي " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " الذي جعله فرقانا عظيما ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ويستقل على الغبراء كما قال صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقال " إني أعطيت خمسا لم يعطن أحد من الأنبياء قبلي " فذكر منهن " أنه كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " كما قال تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الآية أي الذي أرسلني هو مالك السماوات والأرض الذي يقول للشئ كن فيكون وهو الذي يحيى ويميت، وهكذا قال ههنا " الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك " ونزه نفسه عن الولد وعن الشريك ثم أخبر أنه " خلق كل شئ فقدره تقديرا " أي كل شئ مما سواه مخلوق مربوب وهو خالق كل شئ وربه ومليكه وإلهه وكل شئ تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.
واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا (3) يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله الخالق لكل شئ المالك لازمة الأمور الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ومع هذا عبدوا معه من الأصنام ما لم يقدر على خلق جناح بعوضة بل هم مخلوقون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فكيف يملكون لعابديهم؟ " ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا " أي ليس لهم من ذلك شئ بل ذلك كله مرجعه إلى الله عز وجل الذي يحيي ويميت وهو الذي يعيد الخلائق يوم القيامة أولهم وآخرهم " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " كقوله " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " وقوله " فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة " " فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون - إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون " فهو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه ولا تنبغي العبادة إلا له لأنه ما شاء كان وما له يشأ لم يكن، وهو الذي لا ولد له ولا والد ولا عديل ولا بديل ولا وزير ولا نظير، بل هو الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا (4) وقالوا أساطير