يقول تعالى مخبرا عن المشركين في سؤالهم عن يوم القيامة واستبعادهم وقوع ذلك (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) قال الله تعالى مجيبا لهم (قل) يا محمد (عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) قال ابن عباس أن يكون قرب أو أن يقرب لكم بعض الذي تستعجلون وهكذا قال مجاهد والضحاك وعطاء الخراساني وقتادة والسدي وهذا هو المراد بقوله تعالى (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا) وقال تعالى (ويستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) وإنما دخلت اللام في قوله (ردف لكم) لأنه ضمن معنى عجل لكم كما قال مجاهد في رواية عنه (عسى أن يكون ردف لكم) عجل لكم.
ثم قال تعالى (وإن ربك لذو فضل على الناس) أي في إسباغه نعمه عليهم مع ظلمهم لأنفسهم وهم مع ذلك لا يشكرونه على ذلك إلا القليل منهم (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) أي يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) (يعلم السر وأخفى) (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون) ثم أخبر تعالى بأنه عالم غيب السماوات والأرض وأنه عالم الغيب والشهادة وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه فقال تعالى (وما من غائبة) قال ابن عباس يعني وما من شئ (في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) وهذه كقوله (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير).
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون (76) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين (77) إن ربك يقضى بينهم بحكمه وهو العزيز العليم (78) فتوكل على إنك على الحق المبين (79) إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (80) وما أنت بهدى العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (81) يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز وما اشتمل عليه من الهدى والبيان والفرقان أنه يقص على بني إسرائيل وهم حملة التوراة والإنجيل (أكثر الذي هم فيه يختلفون) كاختلافهم في عيسى وتباينهم فيه فاليهود افتروا والنصارى غلوا فجاء القرآن بالقول الوسط الحق العدل أنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام عليه أفضل الصلاة والسلام كما قال تعالى (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) وقوله (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) أي هدى لقلوب المؤمنين به ورحمة لهم في العمليات. ثم قال تعالى (إن ربك يقضى بينهم) أي يوم القيامة (بحكمه وهو العزيز) أي في انتقامه (العليم بأفعال عباده وأقوالهم. (فتوكل على الله) أي في جميع أمورك وبلغ رسالة ربك (إنك على الحق المبين) أي أنت على الحق المبين وإن خالفك من خالفك ممن كتبت عليه الشقاوة (حقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية). ولهذا قال تعالى (إنك لا تسمع الموتى) أي لا تسمعهم شيئا ينفعهم فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة وفي آذانهم وقر الكفر ولهذا قال تعالى (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) أي إنما يستجيب لك من هو سميع بصير السمع والبصر النافع في القلب والبصيرة الخاضع لله ولما جاء عنه على ألسنة الرسل عليهم السلام.
* وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82) هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق يخرج الله لهم دابة من الأرض قيل من مكة وقيل من غيرها كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى فتكلم الناس على ذلك قال ابن عباس والحسن وقتادة ويروى عن علي رضي الله عنه تكلمهم كلاما أي تخاطبهم مخاطبة وقال عطاء الخراساني تكلمهم