وابن إسحاق كما قال في الآية الأخرى " ويعقوب نافلة " وقال " ومن وراء إسحاق يعقوب " ولا خلاف أن إسحاق والد يعقوب وهو نص القرآن في سورة البقرة " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق " ولهذا إنما ذكر ههنا إسحاق ويعقوب أي جعلنا له نسلا وعقبا أنبياء أقر الله بهم عينه في حياته ولهذا قال " وكلا جعلنا نبيا " فلو لم يكن يعقوب عليه السلام قد نبئ في حياة إبراهيم لما اقتصر عليه ولذكر ولده يوسف فإنه نبي أيضا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته حين سئل عن خير الناس فقال " يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله " وفي اللفظ الآخر " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "، وقوله " ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني الثناء الحسن وكذا قال السدي ومالك بن أنس وقال ابن جرير إنما قال عليا لان جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
واذكر في الكتب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا (51) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا (52) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا (53) لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه عطف بذكر الكليم فقال " واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا " قرأ بعضهم بكسر اللازم من الاخلاص في العبادة قال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي لبابة قال: قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن المخلص لله قال الذي يعمل لله لا يحب أن يحمده الناس وقرأ الآخرون بفتحها بمعنى أنه كان مصطفى كما قال تعالى " إني اصطفيتك على الناس " " وكان رسولا نبيا " جمع الله له بين الوصفين فإنه كان من المرسلين الكبار أولي العزم الخمسة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين، وقوله " وناديناه من جانب الطور " أي الجانب " الأيمن " من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة فرآها تلوح فقصدها فوجدها في جانب الطور الأيمن منه غربية عند شاطئ الوادي فكلمه الله تعالى وناداه وقربه فناجاه روى ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى هو القطان حدثنا سفيان عن عطاء بن يسار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " وقربناه نجيا " قال أدني حتى سمع صريف القلم وهكذا قال مجاهد وأبو العالية وغيرهم يعنون صريف القلم بكتابة التوراة وقال السدى " وقربناه نجيا " قال أدخل في السماء فكلم وعن مجاهد نحوه وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة " وقربناه نجيا " قال نجا بصدقه وروى ابن أبي حاتم حدثنا عبد الجبار بن عاصم حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي واصل عن شهر بن حوشب عن عمرو ابن معد يكرب قال لما قرب الله موسى نجيا بطور سيناء قال: يا موسى إذا خلقت لك قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين على الخير فلم أخزن عنك من الخير شيئا ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئا وقوله " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " أي وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه فجعلناه نبيا كما قال في الآية الأخرى " وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " وقال " وقد أوتيت سؤلك يا موسى " وقال " فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " ولهذا قال بعض السلف ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيا قال الله تعالى " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " قال ابن جرير: حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال: قال ابن عباس قوله " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " قال كان هارون أكبر من موسى ولكن أراد وهب له نبوته وقد ذكره ابن أبي حاتم معلقا عن يعقوب وهو ابن إبراهيم الدورقي به.