جرى لهذا المغرور المفتون ذهب يطلب مراده فجاءه ملك الموت فجأة بغتة وحيل بينه وبين ما يشتهي. وقوله تعالى:
(كما فعل بأشياعهم من قبل) أي كما جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم (فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون). وقوله تبارك وتعالى (إنهم كانوا في شك مريب) أي كانوا في الدنيا في شك وريبة فلهذا لم يتقبل منهم الايمان عند معاينة العذاب. قال قتادة إياكم والشك والريبة فإن من مات على شك بعث عليه ومن مات على يقين بعث عليه. آخر تفسير سورة سبأ والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.
سورة فاطر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلث وربع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير (1) قال سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرتها أي بدأتها وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا (فاطر السماوات والأرض) أي بديع السماوات والأرض وقال الضحاك كل شئ في القرآن فاطر السماوات والأرض فهو خالق السماوات والأرض. وقوله تعالى: (جاعل الملائكة رسلا) أي بينه وبين أنبيائه (أولي أجنحة) أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا (مثنى وثلاث ورباع) أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الاسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ولهذا قال جل وعلا (يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير) قال السدي يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء وقال الزهري وابن جريج في قوله تعالى: (يزيد في الخلق ما يشاء) يعنى حسن الصوت رواه عن الزهري البخاري في الأدب وابن أبي حاتم في تفسيره وقرئ في الشاذ (يزيد في الحلق) بالحاء المهملة والله أعلم.
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم (2) يخبر تعالى أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع قال الإمام أحمد حدثنا علي بن عاصم حدثنا مغيرة أخبرنا عامر عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال إن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة: اكتب لي بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني المغيرة فكتبت إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وسمعته ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال. وعن وأد البنات وعقوق الأمهات ومنع وهات. وأخرجاه من طرق عن وراد به وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول " سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شئ بعد اللهم أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " وهذه الآية كقوله تبارك وتعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا