" وما أولئك بالمؤمنين " وقوله تعالى " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم " الآية أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله إلى رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن أتباعه وهذه كقوله تعالى " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك - إلى قوله - رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا " من دعي إلى سلطان فلم يجب فهو ظالم لا حق له " وقوله تعالى " وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين " أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين وهو معنى قوله " مذعنين " وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله، ثم فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره ولهذا قال تعالى " أفي قلوبهم مرض " الآية يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها أو قد لها شك في الدين أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم. وأياما كان فهو كفر محض والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه الصفات. وقوله تعالى " بل أولئك هم الظالمون " أي بل هم الظالمون الفاجرون، والله ورسوله مبرءان مما يظنون ومتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مبارك حدثنا الحسن قال: كان الرجل إذا كان بينه الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال أنطلق إلى فلان فأنزل الله هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان بينه وبين أخيه شئ فدعي إلى حكم من أحكام المسلمين فأبى أن يجيب فهو ظالم لا حق له " وهذا حديث غريب وهو مرسل، ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله فقال " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا " أي سمعا وطاعة، ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب فقال تعالى " وأولئك هم المفلحون " وقال قتادة في هذه الآية " أيقولوا سمعنا وأطعنا " ذكر لنا أن عبادة بن الصامت وكان عقبيا بدريا أحد نقباء الأنصار أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية: ألا أنبئك بماذا عليك وبماذا لك؟ قال بلى قال فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك، وعليك أن تقيم لسانك بالعدل، وأن لا تنازع الامر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحا فما أمرت به من شي يخالف كتاب الله فاتبع كتاب الله. وقال قتادة: ذكر لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله، ولا خير إلا في جماعة والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة، قال وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: عروة الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين. رواه ابن أبي حاتم والأحاديث والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله أكثر من أن تحصر في هذا المكان.
وقوله " ومن يطع الله ورسوله " قال قتادة: يطع الله ورسوله فيما أمراه به وترك ما نهياه عنه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله " فأولئك هم الفائزون " يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة.
وأقسموا بالله جهد أيمنهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون (53) قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلغ المبين (54)