نفسه كما قال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) وقال تعالى بعد وقعة أحد التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) الآية.
وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحملين من خطيهم من شئ إنهم لكاذبون (12) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيمة عما كانوا يفترون (13) يقول تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا من دينكم إلى ديننا واتبعوا سبيلنا (ولنحمل خطاياكم) أي وآثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك علينا وفي رقابنا كما يقول القائل افعل هذا وخطيئتك في رقبتي قال الله تعالى تكذيبا لهم (وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون) أي فيما قالوه إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم فإنه لا يحمل أحد وزر أحد قال الله تعالى: (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى) وقال تعالى: (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم). وقوله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزارا أخرى بسبب ما أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا كما قال تعالى: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) الآية وفي الصحيح " من دعا إلى هدى كان له من الاجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئا " وفي الصحيح " ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل " وقوله تعالى: (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) أي يكذبون ويختلقون من البهتان وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثا فقال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به ثم قال: " إياكم والظلم فإن الله يعزم يوم القيامة " فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم ثم ينادي مناد فيقول أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الرحمن عز وجل ثم يأمر المنادي فينادي من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن فيقول الرحمن اقضوا عن عبدي فيقولون كيف نقضي عنه؟ فيقول خذوا لهم من حسناته فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة وقد بقي من أصحاب الظلامات. فيقول اقضوا عن عبدي فيقولون لم يبق له حسنة فيقول خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه " ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكريمة (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا لم تبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ". وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو بشر الحذاء عن أبي حمزة الثمالي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بأصبعيه فلا ألفينك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك ".
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14) فأنجيناه وأصحب السفينة وجعلناها آية للعلمين (15) هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يخبره عن نوح عليه السلام أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فرارا عن الحق وإعراضا عنه وتكذيبا له وما آمن معه منهم إلا قليل ولهذا قال تعالى: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) أي بعد هذه المدة