يسمى الله باسمه الرحمن كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب " اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم " فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم، ولهذا أنزل الله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى " أي هو الله وهو الرحمن. وقال في هذه الآية " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن " أي لا نعرفه ولا نقر به " أنسجد لما تأمرنا " أي لمجرد قولك " وزادهم نفورا " فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم ويفردونه بالإلهية ويسجدون له، وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها كما هو مقرر في موضعه والله سبحانه وتعالى أعلم.
تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (61) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا (62) يقول تعالى ممجدا نفسه ومعظما على جميل ما خلق في السماوات من البروج وهي الكواكب العظام في قول مجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح والحسن وقتادة. وقيل هي قصور في السماء للحرس، يروى هذا عن علي وابن عباس ومحمد بن كعب وإبراهيم النخعي وسليمان بن مهران الأعمش، وهو رواية عن أبي صالح أيضا والقول الأول أظهر، اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس فيجتمع القولان كما قال تعالى " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح " الآية ولهذا قال تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا " وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود كما قال تعالى " وجعلنا سراجا وهاجا " " وقمرا منيرا " أي مشرقا مضيئا بنور آخر من غير نور الشمس كما قال تعالى " وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا " وقال مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه " ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " ثم قال تعالى " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة " أي يخلف كل واحد منهما صاحبه يتعاقبان لا يفتران إذا ذهب هذا جاء هذا وإذا جاء هذا ذهب ذاك كما قال تعالى " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " الآية وقال " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا " الآية وقال " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر " الآية. وقوله تعالى " لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " أي جعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادة عباده له عز وجل فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد جاء في الحديث الصحيح " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل " وقال أبو داود الطيالسي حدثنا أبو حمزة عن الحسن أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى فقيل له صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: إنه بقي علي من وردي شئ فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه وتلا هذه الآية " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ". وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول من فاته شئ من الليل أن يعمله أدركه بالنهار، أو من النهار أدركه بالليل، وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقال مجاهد وقتادة خلفة أي مختلفين أي هذا بسواده وهذا بضيائه. وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما (63) والذين يبيتون لربهم سجدا وقيما (64) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما (65) إنها ساءت مستقرا ومقاما (66) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (67) هذه صفات عباد الله المؤمنين " الذين يمشون على الأرض هونا " أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار