تعطف علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا وفي المسند للإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه قال " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان " وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها كما قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وقوله وزكاة معطوف على وحنانا فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب وقال قتادة الزكاة العمل الصالح وقال الضحاك وابن جريج العمل الصالح الزكي وقال العوفي عن ابن عباس " وزكاة " قال بركة " وكان تقيا " طهر فلم يعمل بذنب، وقوله " وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا " لما ذكر تعالى طاعته لربه وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ومجانبته عقوقهما قولا وفعلا أمرا ونهيا ولهذا قال " ولم يكن جبارا عصيا " ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال وقال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم قال فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في قوله " جبارا عصيا " قال كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا " قال قتادة: ما أذنب ولا هم بامرأة مرسل وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب حدثني ابن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا " ابن إسحاق مدلس وقد عنعن هذا الحديث فالله أعلم وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا وما ينبغي لاحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وهذا أيضا ضعيف لان علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة والله أعلم وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى عليهما السلام التقيا فقال له عيسى استغفر لي أنت خير مني فقال له الآخر أنت خير مني فقال له عيسى أنت خير مني سلمت على نفسي وسلم الله عليك فعرف والله فضلهما.
واذكر في الكتب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا (16) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلما زكيا (19) قالت أنى يكون لي غلم ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا (20) قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا (21) لما ذكر تعالى قصة زكريا عليه السلام وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى عليه السلام منها من غير أب فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة ولهذا ذكرهما في آل عمران وههنا وفي سورة الأنبياء يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قادر فقال " واذكر في الكتاب مريم " وهي مريم بنت عمران من سلالة داود عليه السلام وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران وأنها نذرتها