مقنن محرر تقديرا من عزيز عليم (كل يجري لأجل مسمى) أي إلى يوم القيامة (ذلكم الله ربكم) أي الذي فعل هذا هو الرب العظيم الذي لا إله غيره (والذين تدعون من دونه) أي من الأصنام والأنداد التي هي على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين (ما يملكون من قطمير) قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة وعطاء وعطية العوفي والحسن وقتادة وغيرهم القطمير هو: اللفافة التي تكون على نواة التمرة أي لا يملكون من السماوات والأرض شيئا ولا بمقدار هذا القطمير ثم قال تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) يعني الآلهة التي تدعونها من دون الله لا تسمع دعاءكم لأنها جماد لا أرواح فيها (ولو سمعوا ما استجابوا لكم) أي لا يقدرون على شئ مما تطلبون منها (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) أي يتبرؤون منكم كما قال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء بعبادتهم كافرين) وقال تعالى:
(واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) وقوله تعالى (ولا ينبئك مثل خبير) أي ولا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه مثل خبير بها قال قتادة يعني نفسه تبارك وتعالى أخبر بالواقع لا محالة.
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد (15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (16) وما ذلك على الله بعزيز (17) ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير (18) يخبر تعالى بغنائه عما سواه وبافتقار المخلوقات كلها إليه وتذللها بين يديه فقال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) أي هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات وهو تعالى الغني عنهم بالذات ولهذا قال عز وجل (والله هو الغني الحميد) أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. وقوله تعالى: (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم. وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع ولهذا قال تعالى: (وما ذلك على الله بعزيز). وقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي يوم القيامة (وإن تدع مثقلة إلى حملها) أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه (لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى) أي وإن كان قريبا إليها حتى ولو كان أباها أو ابنها كل مشغول بنفسه وحاله قال عكرمة في قوله تعالى: (وإن تدع مثقلة إلى حملها) الآية قال هو الجار يتعلق بجاره يوم القيامة فيقول يا رب سل هذا لم كان يغلق بابه دوني وإن الكافر ليتعلق بالمؤمن يوم القيامة فيقول له يا مؤمن إن لي عندك يدا قد عرفت كيف كنت لك في الدنيا وقد احتجت إليك اليوم فلا يزال المؤمن يشفع له عند ربه حتى يرده إلى منزل دون منزله وهو في النار وإن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بني أي والد كنت لك؟ فيثني خيرا فيقول له يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك أنجو بها مما ترى فيقول له ولده يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل ما تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئا ثم يتعلق بزوجته فيقول يا فلانة أو يا هذه أي زوج كنت لك فتثني خيرا فيقول لها إني أطلب إليك حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو بها مما ترين. قال فتقول ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا إني أتخوف مثل الذي تتخوف يقول الله تعالى: (وإن تدع مثقلة إلى حملها) الآية ويقول تبارك وتعالى: (لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) ويقول تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) رواه ابن أبي حاتم رحمه الله عن أبي عبد الله الظهراني عن حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة به ثم قال تبارك وتعالى: (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) أي إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهي الخائفون من ربهم الفاعلون ما أمرهم به (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) أي ومن عمل صالحا فإنما