سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم ألم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4) أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في سورة البقرة. وقوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الايمان كما جاء في الحديث الصحيح " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " وهذه الآية كقوله: (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) ولهذا قال ههنا (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) أي الذين صدقوا في دعوى الايمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله (إلا لنعلم) إلا لنرى وذلك لان الرؤية إنما تتعلق بالموجود والعلم أعم من الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.
وقوله تعالى (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون) أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الايمان أنهم ويتخلصون من هذه الفتنة والامتحان فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم ولهذا قال (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) أي يفوتونا (ساء ما يحكمون) أي بئس ما يظنون.
من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لات وهو السميع العليم (5) ومن جهد فإنما يجهد لنفسه إن الله لغنى عن العلمين (6) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون (7) يقول تعالى (من كان يرجو لقاء الله) أي في الدار الآخرة وعمل الصالحات ورجا ما عند الله من الثواب الجزيل فإن الله سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كاملا موفرا فإن ذلك كائن لا محالة لأنه سميع الدعاء بصير بكل الكائنات ولهذا قال تعالى (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم). وقوله تعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) كقوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه) أي من عمل صالحا فإنما يعود نفع عمله على نفسه فإن الله تعالى غني عن أفعال العباد ولو كانوا كلهم على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا.
ولهذا قال تعالى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين) قال الحسن البصري: إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوم من الدهر بسيف. ثم أخبر تعالى أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم ومع بره وإحسانه بهم يجازي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء وهو أنه يكفر عنهم أسوأ الذين عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن