هذا إخبار من الله عز وجل عن عبده ورسوله نوح عليه السلام وهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد ما عبدت الأصنام والأنداد فبعثه الله ناهيا عن ذلك ومحذرا من وبيل عقابه فكذبه قومه فاستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم مع الله تعالى، ونزل الله تعالى تكذيبهم له منزلة تكذيبهم جميع الرسل فلهذا قال تعالى: (كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون) أي ألا تخافون الله في عبادتكم غيره (إني لكم رسول أمين) أي إني رسول من الله إليكم أمين فيما بعثني الله به أبلغكم رسالات ربي ولا أزيد فيها ولا أنقص منها (فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر) الآية أي لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم بل أدخر ثواب ذلك عند الله (فاتقوا الله وأطيعون) فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني الله به وائتمنني عليه.
قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون (111) قال وما علمي بما كانوا يعملون (112) إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون (113) وما أنا بطارد المؤمنين (114) إن أنا إلا نذير مبين (115) يقولون لا نؤمن لك ولا نتبعك ونتأسى في ذلك بهؤلاء الأرذلين الذين اتبعوك وصدقوك وهم أراذلنا ولهذا (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون) أي وأي شئ يلزمني من اتباع هؤلاء لي ولو كانوا على أي شئ كانوا عليه لا يلزمني التنقيب عنهم والبحث والفحص إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي وأكل سرائرهم إلى الله عز وجل (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين) كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ويتابعوه فأبى عليهم ذلك وقال: (وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين) أي إنما بعثت نذيرا فمن أطاعني وأتبعني وصدقني كان مني وأنا منه سواء كان شريفا أو وضيعا جليلا أو حقيرا.
قالوا لئن لم تنته ينوح لتكونن من المرجومين (116) قال رب إن قومي كذبون (117) فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين (118) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون (119) ثم أغرقنا بعد الباقين (120) إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (121) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (122) لما طال مقام نبي الله بين أظهرهم يدعوهم إلى الله تعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ والامتناع الشديد وقالوا في الآخر (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) أي لئن لم تنته عن دعوتك إيانا إلى دينك (لتكونن من المرجومين) أي لنرجمنك فعند ذلك دعا عليهم دعوة استجاب الله منه فقال (رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا) الآية كما قال في الآية الأخرى (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) إلى آخر الآية. وقال ههنا (فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين) والمشحون هو المملوء بالأمتعة والأزواج التي حمل فيها من كل زوجين اثنين أي أنجينا نوحا ومن اتبعه كلهم وأغرقنا من كفر به وخالف أمره كلهم أجمعين (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
كذبت عاد المرسلين (123) إذ قال لهم أخوهم هو ألا تتقون (124) إني لكم رسول أمين (125) فاتقوا الله وأطيعون (126) وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين (127) أتبنون بكل ريع آية تعبثون (128) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون (129) وإذا بطشتم بطشتم جبارين (130) فاتقوا الله وأطيعون (131) واتقوا الذي