الناقة بين أظهرهم حينا من الدهر ترد الماء وتأكل الورق والمرعى وينفعون بلبنها يحلبون منها ما يكفيهم شربا وريا فلما طال عليهم الأمد وحضر أشقاهم تمالؤا على قتلها وعقرها (فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب) وهو أن أرضهم زلزلت زلزالا شديدا وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب من محالها وأتاهم من الامر ما لم يكونوا يحتسبون وأصبحوا في ديارهم جاثمين (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم ".
كذبت قوم لوط المرسلين (160) إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون (161) إني لكم رسول أمين (162) فاتقوا الله وأطيعون (163) وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين (164) يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله لوط عليه السلام وهو لوط بن هاران بن آزار وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام وكان الله تعالى قد بعثه إلى أمة عظيمة في حياة إبراهيم عليهما السلام وكانوا يسكنون سذوم وأعمالها التي أهلكها الله بها وجعل مكانها بحيرة منتنة خبيثة وهي مشهورة ببلاد الغور بناحية متاخمة لجبال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك فدعاهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم ونهاهم عن معصية الله وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه في العالم مما لم يسبقهم أحد من الخلائق إلى فعله من إتيان الذكور دون الإناث ولهذا قال تعالى.
أتأتون الذكران من العلمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون (166) قالوا لئن لم تنته يلوط لتكونن من المخرجين (167) قال إني لعملكم من القالين (168) رب نجنى وأهلي مما يعملون (169) فنجيناه وأهله أجمعين (170) إلا عجوزا في الغابرين (171) ثم دمرنا الآخرين (172) وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين (173) إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (174) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (175) لما نهاهم نبي الله عن ارتكاب الفواحش وغشيانهم الذكور وأرشدهم إلى إتيان نسائهم اللاتي خلقهن الله لهم ما كان جوابهم له إلا أن قالوا (لئن لم تنته يا لوط) أي عما جئتنا به (لتكونن من المخرجين) أي ننفيك من بين أظهرنا كما قال تعالى (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) فلما رأى أنهم لا يرتدعون عما هم فيه وأنهم مستمرون على ضلالتهم تبرأ منهم وقال (إني لعملكم من القالين) أي المبغضين لا أحبه ولا أرضى به وإني برئ منكم ثم دعا الله عليهم فقال (رب نجني وأهلي مما يعملون) قال الله تعالى (فنجيناه وأهله أجمعين) أي كلهم (إلا عجوزا في الغابرين) وهي امرأته وكانت عجوز سوء بقيت فهلكت مع من بقي من قومها وذلك كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأعراف وهود وكذا في الحجر حين أمره الله أن يسري بأهله إلا امرأته وأنهم لا يلتفتوا إذا سمعوا الصيحة حين تنزل على قومه فصبروا لأمر الله واستمروا وأنزل الله على أولئك العذاب الذي عم جميعهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود ولهذا قال تعالى (ثم دمرنا الآخرين * وأمطرنا عليهم مطرا) - إلى قوله - (وإن ربك لهو العزيز الرحيم).
كذب اصحب الأيكة المرسلين (176) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون (177) إني لكم رسول أمين (178) فاتقوا الله وأطيعون (179) وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين (180) هؤلاء - يعني أصحاب الأيكة - هم أهل مدين على الصحيح وكان نبي الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ههنا