ذلك ما شاء الله ثم إن رجلا من الصحابة قال يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملا العظيم محتبيا ليست فيه حديدة " وأنزل الله هذه الآية فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فآمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وسلم فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا فيه فأدخل عليهم الخوف فاتخذوا الحجزة والشرط وغيروا فغير بهم وقال بعض السلف خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله ثم تلا هذه الآية، وقال البراء بن عازب نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد، وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض - إلى قوله - لعلكم تشكرون " وقوله تعالى " كما استخلف الذين من قبلهم " كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض " الآية وقال تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض " الآيتين.
وقوله " وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم " الآية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه " أتعرف الحيرة؟ " قال لم أعرفها ولكن قد سمعت بها قال " فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الامر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز " قلت كسرى بن هرمز؟
قال " نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد " قال عدي بن حاتم فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أبي سلمة عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب " وقوله تعالى " يعبدونني لا يشركون بي شيئا " قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس أن معاذ بن جبل حدثه قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل قال " يا معاذ " قلت لبيك يا رسول ل الله وسعديك قال: ثم سار ساعة ثم قال " يا معاذ بن جبل " قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال " يا معاذ بن جبل " قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال " هل تدري ما حق الله على العباد " قلت الله ورسوله أعلم، قال " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " قال ثم سار ساعة ثم قال " يا معاذ بن جبل " قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال " فهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ " قال قلت الله ورسوله أعلم قال " فإن حق العباد على الله أن لا يعذبهم " أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة وقوله تعالى " ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك فقد خرج عن أمر ربه وكفى بذلك ذنبا عظيما، فالصحابة رضي الله عنهم لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل وأطوعهم لله كان نصرهم بحسبهم أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب وأيدهم تأييدا عظيما وحكموا في سائر العباد والبلاد، ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة - وفي رواية - حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك - وفي رواية - حتى يقاتلون الدجال - وفي رواية - حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون " وكل هذه الروايات صحيحة ولا تعارض بينها.
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون (56) لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير (57) يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بإقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة وهي الاحسان إلى