إعلم أنه تعالى لما حكى من عظم ما هم عليه من التكذيب أنهم يستهزئون باستعجال العذاب فقال: * (ويستعجلونك بالعذاب) * وفي ذلك دلالة على أنه عليه السلام كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم ولأن قولهم: * (لو ما تأتينا بالملائكة) * يدل على ذلك فقال تعالى: * (ولن يخلف الله وعده) * لأن الوعد بالعذاب إذا كان في الآخرة دون الدنيا فاستعجاله يكون كالخلف ثم بين أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة فقال: * (وإن يوما عند ربك) * يعني فيما ينالهم من العذاب وشدته * (كألف سنة) * لو بقي وعذب في كثرة الآلام وشدتها فبين سبحانه أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه، وهذا قول أبي مسلم وهو أولى الوجوه: الوجه الثاني: أن المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة ويرجع معناه إلى قريب مما تقدم، وذلك أن الأيام القصيرة إذا مرت في الشدة كانت مستطيلة فكيف تكون الأيام المستطيلة إذا مرت في الشدة. ثم إن العذاب الذي يكون طول أيامها إلى هذا الحد لا ينبغي للعاقل أن يستعجله والوجه الثالث: أن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضا إمهال ألف سنة.
أما قوله: * (وكأي من قرية أمليت لها وهي ظالمة) * فالمراد وكم من قرية أخرت إهلاكهم مع استمرارهم على ظلمهم فاغتروا بذلك التأخير ثم أخذتهم بأن أنزلت العذاب بهم، ومع ذلك فعذابهم مدخر إذا صاروا إلي وهو تفسير قوله: * (وإلى المصير) * فإن قيل فلم قال فيما قبل * (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة) * (الحج: 45) وقال ههنا: * (وكأين من قرية أمليت لها) * الأولى بالفاء وهذه بالواو؟ قلنا: الأولى وقعت بدلا عن قوله: * (فكيف كان نكير) * (الحج: 44) وأما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو، أعني قوله: * (ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) *.
أما قوله: * (قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نطير مبين) * فالمعنى أنه تعالى أمر رسوله بأن يديم لهم التخويف والإنذار، وأن لا يصده ما يكون منهم من الاستعجال للعذاب على سبيل الهزؤ عن إدامة التخويف والإنذار، وأن يقول لهم إنما بعثت للإنذار فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه.
قوله تعالى * (فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم * والذين سعوا فى ءاياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم) *.
إعلم أنه تعالى لما بين للرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن يقول لهم أنا نذير مبين أردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم، لأن الرجل إنما يكون منذرا بذكر الوعد للمطيعين والوعيد