الله تعالى ومعرفة الشرائع، ويدل عليه أن الله تعالى وصف الإيمان بأنه نور والكفر بأنه ظلمة، فقال: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) * (الزمر: 22) وقال تعالى: * (ليخرج الناس من الظلمات إلى النور) * وحاصله أنه حمل الهدى على الاهتداء، والمقصود من التمثيل أن إيمان المؤمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات، والامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور، وهو قول أبي ابن كعب وابن عباس، قال أبي: مثل نور المؤمن، وهكذا كان يقرأ، وقيل إنه كان يقرأ: مثل نور من آمن به، وقال ابن عباس: مثل نوره في قلب المؤمن وخامسها: ما ذكره الشيخ الغزالي رحمه الله وهو: أنا بينا أن القوى المدركة أنوار، ومراتب القوى المدركة الإنسانية خمسة أحدها: القوة الحساسة، وهي التي تتلقى ما تورده الحواس الخمس وكأنها أصل الروح الحيواني، وأوله إذ به يصير الحيوان حيوانا وهو موجود للصبي الرضيع وثانيها: القوة الخيالية وهي التي تستثبت ما أورده الحواس وتحفظه مخزونا عندها لتعرضه على القوة العقلية التي فوقها عند الحاجة إليه. وثالثها: القوة العقلية المدركة للحقائق الكلية ورابعها: القوة الفكرية وهي التي تأخذ المعارف العقلية فتؤلفها تأليفا فتستنتج من تأليفها علما بمجهول وخامسها: القوة القدسية التي تختص بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الأولياء، وتتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) * (والشورى: 52) وإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار، إذ بها تظهر أصناف الموجودات، وأن هذه المراتب الخمسة يمكن تشبيهها بالأمور الحسنة التي ذكرها الله تعالى وهي: المشكاة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت. أما الروح الحساس فإذا نظرت إلى خاصيته وجدت أنواره خارجة من عدة أثقب كالعينين والأذنين والمنخرين وأوفق مثال له من عالم الأجسام المشكاة وأما الثاني: وهو الروح الحيالي فنجد له خواص ثلاثة: الأولى: أنه من طينة العالم السفلي الكثيف لأن الشيء المتخيل ذو قدر وشكل وحيز، ومن شأن العلائق الجسمانية أن تحجب عن الأنوار العقلية المحضة التي هي التعقلات الكلية المجردة والثانية: أن هذا الخيال الكثيف إذا صفا ورق وهذب صار موازنا للمعاني العقلية ومؤديا لأنوارها وغير حائل عن إشراق نورها، ولذلك فإن المعبر يستدل بالصور الخيالية على المعاني العقلية، كما يستدل بالشمس على الملك، وبالقمر على الوزير، وبمن يختم فروج الناس وأفواههم على أنه مؤذن يؤذن قبل الصبح والثالثة: أن الخيال في بداية الأمر محتاج إليه جدا ليضبط بها المعارف العقلية ولا تضطرب، فنعم المثالات الخيالية الجالبة للمعارف العقلية، وأنت لا تجد شيئا في الأجسام يشبه الخيال في هذه الصفات الثلاثة إلا الزجاجة، فإنها في الأصل من جوهر كثيف ولكن صفا ورق حتى صار لا يحجب نور المصباح بل يؤديه على وجهه، ثم يحفظه على الانطفاء بالرياح العاصفة وأما الثالث: وهو القوة العقلية فهي القوية على إدراك الماهيات الكلية والمعارف
(٢٣٣)