اعلم أنه تعالى أبطل قول عبده الأوثان الأصنام بهذا المثل، وتقريره: انه كما تقرر في أوائل العقول أ الأبكم العاجز لا يكون مساويا في الفضل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية، فلان يحكم بأن الجماد لا يكون مساويا لرب العالمين في المعبودية كان أولى، ثم نقول: في الآية مسألتان:
(المسألة الأولى) أنه تعالى وصف الرجل الأول بصفات:
(الصفة الأولى) الأبكم وفى تفسيره أقوال نقلها الواحدي. الأول: قال أبو زيد رجل أبكم، وهو العيي المقحم، وقد بكم بكما وبكامة، وقال أيضا: الأبكم الأقطع اللسان وهو الذي لا يحسن الكلام. الثاني: روى ثعلب عن ابن الأعرابي: الأبكم الذي لا يعقل. الثالث: قال الزجاج: الأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر.
(الصفة الثانية) قوله (لا يقدر على شئ) وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل.
(والصفة الثالثة) قوله (كل على مولاه) أي هذا الأبكم العاجز كل على مولاه. قال أهل المعاني: أصله من الغلط الذي هو نقيض الحدة. يقال: كل السكين إذا غلظت شفرته فلم يقطع، وكل لسانه إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكل فلان عن الامر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه. فقوله (كل على مولاه) أي غليظ وثقيل على مولاه.
(الصفة الرابعة) قوله (أينما يوجهه لا يأت بخير) أي أينما يرسله، ومعنى التوجيه أن ترسل صاحبك في وجه معين من الطريق. يقال: وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه. وقوله (لا يأت بخير) معناه لأنه عاجز لا يحسن ولا يفهم. ثم قال تعالى (هل يستوي هو) أي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع (ومن يأمر بالعدل) واعلم أن الآمر بالعدل يجب أن يكون موصوفا بالنطق وإلا لم يكن آمرا. ويجب أن يكون قادرا، لان الامر مشعر بعلو المرتبة. وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادرا، ويجب أن يكون عالما حتى يمكنه التمييز بين العدل وبين الجوز، فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بكون قادرا عالما، وكونه آمرا يناقض كون الأول أبكم، وكونه قادر يناقض وصف الأول بأنه لا يقدر على شئ وبأنه كل على مولاه، وكونه عالما يناقض وصف الأول بأنه لا يأت بخير، ثم قال (وهو على صراط مستقيم) معناه كونه عادلا مبرأ عن الجور والعبث.
إذا ثبت هذا فنقول: ظاهر في بديهة العقل أن الأول والثاني لا يستويان، فكذا