نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (83) عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) اعلم أن الانسان إما أن يكون مقيما أو مسافر إما أن يكون غنيا يمكنه استصحاب الخيام والفساطيط، أو لا يمكنه ذلك فهذه أقسام ثلاثة:
(أما القسم الأول) فإليه الإشارة بقوله (والله جعل لكم م بيوتكم سكنا) (وأما القسم الثاني) فإليه الإشارة بقوله (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا) (وأما القسم الثالث) فإليه الإشارة بقوله (والله جعل لكم مما خلق ظلالا) وذلك لان المسافر إذا لم يكن له خيمة يستظل بها فإنه لابد وأن يستظل بشئ آخر كالجدران والأشجار وقد يستظل بالغمام كما قال (وظللنا عليكم الغمام) ثم قال (وجعل لكم من الجبال أكنانا) واحد الأكنان كن على قياس أحمال وحمل، ولكن المراد كل شئ وقى شيئا، ويقال استكن وأكن إذا صار في كن.
واعلم أن بلاد العرب شديدة الحر، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة، وأيضا البلاد المعتدلة والأوقات المعتدلة نادرة جدا والغالب إما غلبة الحر أو علبة البرد. وعلى كل التقديرات فلا بد للانسان من مسكن يأوى إليه، فكان الانعام بتحصيله عظيما، ولما ذكر تعالى أمر السكن ذكر بعده أمر الملبوس فقال (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم) السرابيل القمص واحدها سربال، قال الزجاج: كل ما ألبسته فهو سربال من قميص أو درع أو جوشن أو غيره، والذي يدل على صحة هذا القول أنه جعل السرابيل على قسمين: أحدهما: ما يكون واقيا من الحر والبرد. والثاني:
ما يتقى به عن البأس والحروب، وذلك هو الجوشن وغيره، وذلك يدل على أن كل واحد من القسمين من السرابيل.
فان قيل: لم ذكر الحر ولم يذكر البرد؟
أجابوا عنه من وجوه:
(الوجه الأول) قال عطاء الخراساني: المخاطبون بهذا الكلام هم العرب وبلادهم حارة فكانت حاجتهم إلى ما يدفع الحر فوق حاجتهم إلى ما يدفع البرد كما قال (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها) وسائر أنواع الثياب أشرف، إلا أنه تعالى ذكر ذلك النوع لأنه كان إلفتهم بها أشد، واعتيادهم للبسها