مقرون بن عمرو: إلام تدعونا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) * الآية فقال مقرون بن عمرو: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وعن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على الوليد فاستعاده، ثم قال: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " والله أعلم.
المسألة الثانية: في تفسير هذه الآية، أكثر الناس في تفسير هذه الآية قال ابن عباس في بعض الروايات العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض وقال في رواية أخرى: العدل خلع الأنداد والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وأن تحب للناس ما تحب لنفسك فإن كان مؤمنا أحببت أن يزداد إيمانا، وإن كان كافرا أحببت أن يصير أخاك في الإسلام. وقال في رواية ثالثة: العدل هو التوحيد والإحسان الإخلاص فيه. وقال آخرون: يعني بالعدل في الأفعال والإحسان في الأقوال، فلا تفعل إلا ما هو عدل ولا تقل إلا ما هو إحسان وقوله: * (وإيتاء ذي القربى) * يريد صلة الرحم بالمال فإن لم يكن فبالدعاء، روى أبو مسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم إن أهل البيت لكونوا فجارا فتنمى أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم " وقوله: * (وينهى عن الفحشاء) * قيل: الزنا، وقيل: البخل، وقيل: كل الذنوب سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وسواء كانت في القول أو في الفعل، وأما المنكر فقيل: إنه الكفر بالله تعالى، وقيل: المنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنة، وأما البغي فقيل: الكبر والظلم، وقيل: أن تبغي على أخيك.
واعلم أن في المأمورات كثرة وفي المنهيات أيضا كثرة، وإنما حسن تفسير لفظ معين لشيء معين إذا حصل بين ذلك اللفظ وبين ذلك المعنى مناسبة. أما إذا لم تحصل هذه الحالة كان ذلك التفسير فاسدا، فإذا فسرنا العدل بشيء والإحسان بشيء آخر وجب أن نبين أن لفظ العدل يناسب ذلك المعنى، ولفظ الإحسان يناسب هذا المعنى، فلما لم نبين هذا المعنى كان ذلك مجرد التحكم، ولم يكن جعل بعض تلك المعنى تفسيرا لبعض تلك الألفاظ أولى من العكس، فثبت أن هذه الوجود التي ذكرناها ليست قوية في تفسير هذه الآية، وأقول ظاهر هذه الآية يدل على أنه تعالى أمر بثلاثة أشياء، وهي العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهى عن ثلاثة أشياء هي: الفحشاء، والمنكر، والبغي فوجب أن يكون العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ثلاثة أشياء متغايرة ووجب أن تكون الفحشاء والمنكر والبغي ثلاثة أشياء متغايرة، لأن العطف يوجب المغايرة فنقول: