أن الخبر دل على أنه متى كان الصلاح في نقض الأيمان جاز نقضها.
ثم قال: * (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) * هذه واو الحال، أي لا تنقضوها وقد جعلتم الله كفيلا عليكم بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله تعالى فكأنه قد جعل الله كفيلا بالوفاء بسبب ذلك الحلف.
ثم قال: * (إن الله يعلم ما تفعلون) * وفيه ترغيب وترهيب، والمراد فيجازيكم على ما تفعلون إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ثم إنه تعالى أكد وجوب الوفاء، وتحريم النقض وقال: * (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في المشبه به قولان: القول الأول: أنها امرأة من قريش يقال لها رايطة، وقيل ريطة، وقيل تلقب جعراء وكانت حمقاء تغزل الغزل هي وجواريها فإذا غزلت وأبرمت أمرتهن فنقضن ما غزلن.
والقول الثاني: أن المراد بالمثل الوصف دون التعين، لأن القصد بالأمثال صرف المكلف عنه إذا كان قبيحا، والدعاء إليه إذا كان حسنا، وذلك يتم به من دون التعيين.
المسألة الثانية: قوله: * (من بعد قوة) * أي من به قوة الغزل بإبرامها وفتلها.
المسألة الثالثة: قوله: * (أنكاثا) * قال الأزهري: واحدها: نكث وهو الغزل من الصوف والشعر يبرم وينسج فإذا أحكمت النسيجة قطعتها ونكثت خيوطها المبرمة ونفشت تلك الخيوط وخلطت بالصوف ثم غزلت ثانية، والنكث المصدر، ومنه يقال نكث فلان عهده إذا نقضه بعد إحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه.
المسألة الرابعة: في انتصاب قوله: * (أنكاثا) * وجوه: الأول: قال الزجاج: أنكاثا منصوب لأنه بمعنى المصدر لأن معنى نكثت نقضت ومعنى نقضت نكثت، وهذا غلط منه، لأن الأنكاث جمع نكث وهو اسم لا مصدر فكيف يكون قوله: * (أنكاثا) * بمعنى المصدر؟ الثاني: قال الواحدي: أنكاثا مفعول ثان كما تقول كسره أقطاعا وفرقه أجزاء على معنى جعله أقطاعا وأجزاء فكذا ههنا قوله: نقضت غزلها أنكاثا أي جعلت غزلها أنكاثا. الثالث: إن قوله: * (أنكاثا) * حال مؤكدة.
المسألة الخامسة: قال ابن قتيبة: هذه الآية متصلة بما قبلها، والتقدير: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل المرأة التي غزلت غزلا وأحكمته فلما استحكم نقضته فجعلته أنكاثا.
ثم قال تعالى: * (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) * قال الواحدي: الدخل والدغل الغش والخيانة. قال الزجاج: كل ما دخله عيب قيل هو مدخول وفيه دخل، وقال غيره: الدخل ما أدخل في الشيء على فساد.