إنه بقي محروما عن عبودية الله تعالى وعن طاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز، والمراد بقوله: * (ومن رزقناه منا رزقا حسنا) * هو المؤمن فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله فبين تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى.
واعلم أن القول الأول أقرب، لان ما قبل هذه الآية وما بعدها أنما ورد في اثبات التوحيد، وفى الرد على القائلين بالشرك فحمل هذه الآية على هذا المعنى أولى.
(المسألة الثانية) اختلفوا في المراد بقوله (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) فقيل: المراد به الضم لأنه عبد بدليل قوله (إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا) وأما أنه مملوك ولا يقدر على شئ فظاهر، والمراد بقوله (ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا) عابد الضم لان الله تعالى رزقه المال وهو ينفق من ذلك المال على نفسه وعلى أتباعه سرا وجهرا) إذا ثبت هذا فنقول: هما لا يستويان في بديهة العقل، بل صريح العقل يشهد بأن ذلك القادر أكمل حالا وأفضل مرتبة من ذلك العاجز، فهنا صريح العقل يشهد بأن عابد الصنم أفضل من ذلك الصنم فكيف يجوز الحكم بكونه مساويا لرب العالمين في العبودية.
(والقول الثاني) أن المراد بقوله (عبدا مملوكا) عبد معين، وقيل: هو عبد لعثمان بن عفان، وحملوا قوله (ومن رزقناه منا رزقا حسنا) على عثمان خاصة (والقول الثالث) أنه عام في كل عبد بهذه الصفة وفى كل حر بهذه الصفة، وهذا القول هو الأظهر، لأنه هو الموافق لما أراده الله تعالى في هذه الآية، الله أعلم.
المسألة الثانية) احتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئا.
فان قالوا: ظاهر الآية يدل على أن عبدا من العبيد لا يقدر على شئ، فلم قلتم، إن كل عبد كذلك؟ فنقول: الذي يدل عليه جهان: الأول: أنه ثبت في أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، وكونه عبدا وصف مشعر بالذل والمقهورية. وقوله (لا يقدر على شئ) حكم مذكور عقيبه. فهذا يقتضى أن العلة لعدم القدرة على شئ هو كونه عبدا، بهذا الطريق يثبت العموم. الثاني: أنه تعالى قال بعده (ومن رزقناه منا رزقا حسنا) فميز هذا القسم الثاني عن القسم الأول وهو العبد بهذه الصفة وهو أنه يرزقه رزقا، فوجب أن لا يحصل هذا الوصف للعبد حتى يحصل الامتياز بين القسم الثاني وبين القسم الأول، ولو ملك العبد لكان الله قد آتاه رزقا حسنا، لان الملك الحلال رزق حسن سواء كان قليلا أو كثيرا.
فثبت بهذين الوجهين أن ظاهر الآية يقتضى أن العبد لا يقدر على شئ ولا يملك. ثم اختلفوا