والفواكه العطرة عنده، وما كان يمكنه تناول شيء منها، وكان الواحد منا صحيح المزاج قوي البنية كامل القوة، وما كان يجد ملء بطنه طعاما، فذلك الملك وإن كان يفضل على هذا الفقير في المال، إلا أن هذا الفقير كان يفضل على ذلك الملك في الصحة والقوة، وهذا باب واسع إذا اعتبره الإنسان عظم تعجبه منه.
أما قوله: * (فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم) * ففيه قولان:
القول الأول: أن المراد من هذا الكلام تقرير ما سبق في الآية المتقدمة من أن السعادة والنحوسة لا يحصلان إلا من الله تعالى، والمعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق، وأن المالك لا يرزق العبد بل الرازق للعبد والمولى هو الله تعالى، وتحقيق القول أنه ربما كان العبد أكمل عقلا وأقوى جسما وأكثر وقوفا على المصالح والمفاسد من المولى، وذلك يدل على أن ذلة ذلك العبد وعزة ذلك المولى من الله تعالى كما قال: * (تعز من تشاء وتذل من تشاء) * (آل عمران: 26).
والقول الثاني: أن المراد من هذه الآية الرد على من أثبت شريكا لله تعالى، ثم على هذا القول ففيه وجهان: الأول: أن يكون هذا ردا على عبدة الأوثان والأصنام، كأنه قيل: إنه تعالى فضل الملوك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه، فلما لم تجعلوا عبيدكم معكم سواء في الملك، فكيف تجعلون هذه الجمادات معي سواء في المعبودية، والثاني: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا: إن عيسى ابن مريم ابن الله، فالمعنى أنكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونوا سواء، فكيف جعلتم عبدي ولدا لي وشريكا في الإلهية؟.
ثم قال تعالى: * (فهم فيه سواء) * معنى الفاء في قوله: * (فهم) * حتى، والمعنى: فما الذين فضلوا بجاعلي رزقهم لعبيدهم، حتى تكون عبيدهم فيه معهم سواء في الملك.
ثم قال: * (أفبنعمة الله يجحدون) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: * (يجحدون) * بالتاء على الخطاب لقوله: * (خلقكم وفضل بعضكم) * والباقون بالياء لقوله: * (فهم فيه سواء) * واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لقرب الخبر عنه، وأيضا فظاهر الخطاب أن يكون مع المسلمين، والمسلمون لا يخاطبون بجحد نعمة الله تعالى.
المسألة الثانية: لا شبهة في أن المراد من قوله: * (أفبنعمة الله يجحدون) * الإنكار على المشركين الذين أورد الله تعالى هذه الحجة عليهم.
فإن قيل: كيف يصيرون جاحدين بنعمة الله عليهم بسبب عبادة الأصنام؟.