الدين الحق الذي نحن عليه، ومن الناس من قال: الأولى أن يحمل (الحسنى) على هذا الوجه بدليل أنه تعالى قال بعده (لا جرم أن لهم النار) فرد عليهم قولهم وأثبت لهم النار، فدل هذا على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة. قال الزجاج: لأرد لقولهم، والمعنى ليس الامر كما وصفوا جرم فعلهم أي كسب ذلك القول لهم النار، فعلى هذا لفظ أن في محل النصب بوقوع الكسب عليه. وقال قطرب (أن) في موضع رفع، والمعنى: وجب أن لهم النار وكيف كان الاعراب فالمعنى هو أنه يحق لهم النار ويجب ويثبت. وقوله (وأنهم مفرطون) قرأ نافع وقتيبة عن الكسائي (مفرطون) بكسر الراء والباقون (مفرطون) بفتح الراء. أما قراءة نافع فقال الفراء: المعنى أنهم كانوا مفرطين على أنفسهم في الذنوب، وقيل: أفرطوا في الافتراء على الله تعالى، وقال أبو على الفارسي: كأنه من أفرط، أي صار ذا فرط مثل أجرب، أي صار ذا جرب والمعنى: أنهم ذوو فرط إلى النار كأنهم قد أرسلوا من يهئ لهم مواضع فيها. وأما قراءة قوله (مفرطون) بفتح الراء ففيه قولان:
(القول الأول) المعنى: أنهم متروكون في النار، قال الكسائي: يقال ما أفرطت من القوم أحدا، أي ما تركت. وقال الفراء: تقول العرب أفرطت منهم ناسا، أي خلفتهم وأنسيتهم.
(والقول الثاني) (مفرطون) أي معجلون. قال الواحدي رحمه الله: وهو الاختيار ووجهه ما قال أبو زيد وغيره فرط القوم الفارط، وفرطوه إذا قدموه فمعنى قوله (مفرطون) على هذا التقدير كأنهم قدموا إلى النار فهم فيها فرط للذين يدخلون بعدهم، ثم بين تعالى أن مثل هذا الصنع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، فقال تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم) وهذا يجرى مجرى التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم. قالت المعتزلة: الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجوه: الأول: أنه إذا كان خالق أعمالهم هو الله تعالى، فلا فائدة في التزيين. والثاني:
أن ذلك التزيين لما كان بخلق الله تعالى لم يجز ذم الشيطان بسببه. والثالث: أن التزيين هو الذي يدعو الانسان إلى الفعل، وإذا كان حصول الفعل فيه بخلق الله تعالى كان ضروريا فلم يكن التزيين داعيا. الرابع: أن على قولهم، الخالق لذلك العمل. أجدر أن يكون ولياهم من الداعي إليه.
والخامس: أنه أضاف التزيين إلى الشيطان ولو كان ذلك المزين هو الله تعالى لكانت إضافته إلى الشيطان كذبا.
وجوابه: إن كان مزين القبائح في أعين الكفار هو الشيطان، فمزين تلك الوساوس في عين