والجواب: ثبت بالدليل أن كل الناس ليسوا ظالمين لأنه تعالى قال (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) أي فمن العباد من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق، ولو كان المقتصد والسابق ظالما لفسد ذلك التقسيم، فعلمنا أن المقتصدين والسابقين ليسوا ظالمين، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز أن يقال كل الخلق ظالمون.
وإذا ثبت هذا فنقول: الناس المذكورون في قوله (ولو يؤاخذ الله الناس) إما كل العصاة المستحقين للعقاب أو الذين تقدم ذكرهم من المشركين ومن الذين أثبتوا لله البنات. على هذا التقدير فيسقط الاستدلال. والله أعلم.
(المسألة الثانية) من الناس من احتج بهذه الآية على أن الأصل في المضار الحرمة، فقال:
لو كان الضرر مشروعا لكان إما أن يكون مشروعا على وجه يكون جزاء على جرم صادر منهم أولا على هذا الوجه، والقسمان باطلان، فوجب أن لا يكون مشروعا أصلا.
أما بيان فساد القسم الأول، فلقوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. والاستدلال به من وجهين: الأول: أن كلمة لو وضعت الانتفاء الشئ لانتفاء غيره.
فقوله: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. يقتضى أنع تعالى ما أخذهم بظلمهم وأنه ترك على ظهرها من دابة. والثاني: أنه لما دلت الآية على أن لازمة أخذ الله الناس بظلمهم هو أن لا يترك على ظهرها دابة، ثم إنا نشاهد أنه تعالى ترك على ظهرها دواب كثيرين، فوجب القطع بأنه تعالى لا يؤاخذ الناس بظلمهم، فثبت بهذا أنه لا يجوز أن تكون المضار مشروعة على وجه تقع أجزية عن الجرائم.
(وأما القسم الثاني) وهو أن يكون مشروعا ابتداء لا على وجه يقع أجزية عن جرم سابق، فهذا باطل الاجماع، فثبت أن مقتضى هذه الآية تحريم المضار مطلقا، ويتأكد هذا أيضا بآيات أخرى كقوله تعالى (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) وكقوله (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم السر) وكقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وكقوله ملعون من ضر مسلما فثبت بمجموع هذه الآيات والاخبار أن الأصل في المضار الحرمة، فنقول: إذا وقعت حادثة مشتملة على الضرر من كل الوجوه، فان وجدنا نصا خاصا يدل على كونه مشروعا قضينا به تقديما للخاص على العام، وإلا قضينا عليه بالحرمة بناء على هذا الأصل الذي قررناه. ومنهم من قال هذه القاعدة تدل على أن كل ما يريده الانسان وجب أن يكون مشروعا في حقه، لان المنع منه ضرر، والضرر غير مشروع بمقتضى هذا الأصل وكل ما يكرهه الانسان وجب أن يحرم لان وجوده ضرر والضرر غير مشروع، فثبت أن هذا الأصل يتناول