جميع الوقائع الممكنة إلى يوم القيامة، ثم نقول القياس الذي يتمسك به في اثبات الاحكام إما أن يكون على وفق هذه القاعدة أو على خلافها، والأول باطل، لان هذا الأصل يغنى عنه، والثاني باطل، لان النص راجح على القياس والله أعلم.
(المسألة الثالثة) قالت المعتزلة: هذه الآية دالة على أن الظلم والمعاصي ليست فعلا لله تعالى، بل تكون أفعالا للعباد، لأنه تعالى أضاف ظلم العباد إليهم، وما أضافه إلى نفسه. فقال (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) وأيضا فلو كان خلقا الله تعالى لكانت مؤاخذتهم بها ظلما من الله تعالى، ولما منع الله تعالى العباد من الظلم في هذه الآية، فبأن يكون منزها عن الظلم كان أولى، قالوا: ويدل أيضا على أن أعمالهم مؤثرة في وجوب الثواب والعقاب أن قوله (بظلمهم) الباء فيه تدل على العلية كما في قوله (ذلك بأنهم شاقوا الله) واعلم أن الكلام في هذه المسائل قد ذكرناه مرارا فلا نعيده. والله أعلم.
(المسألة الرابعة) ظاهر الآية يدل على أن إقدام الناس على الظلم يوجب إهلاك جميع الدواب وذلك غير جائز، لان الدابة لم يصدر عنها ذنب، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم الناس؟
والجواب عنه من وجهين:
(الوجه الأول) أنا لا نسلم أن قوله: ما ترك على ظهرها من دابة. يتناول جميع الدواب.
وأجاب أبو على الجبائي عنه: أن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ومعصية لعجل هلاكهم، وحينئذ لا يبقى لهم نسل، ثم من المعلوم أنه لا أحدا إلا وفى أحد آبائه من يستحق العذاب وإذا هلكوا فقد بطل نسلهم، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من الناس، وإذا بطلوا وجب أن لا يبقى أحد من الدواب أيضا، لان الدواب مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم، فهذا وجه لطيف حسن.
(والوجه الثاني) أن الهلاك إذا ورد على الظلة ورد أيضا على سائر الناس والدواب، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذابا، وفى حق غيرهم امتحانا، وقد وقعت هذه الواقعة في زمان نوح عليه السلام.
(والوجه الثالث) أنه تعالى لو آخذهم لانقطع القطر وفى انقطاعه انقطاع النبت فكان لا تبقى على ظهرها دابة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رجلا يقول إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: لا والله بل إن الحبارى في وكرها لتموت بظلم الظالم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم، فهذه الوجوه الثلاثة من الجواب مفرعة على تسليم أن لفظة الدابة يتناول جميع الدواب.