إذا عرفت هذا القول بوجود الإلهين قول مستقبح في العقول، ولهذا المعنى فإن أحدا من العقلاء لم يقل بوجود إلهين متساويين في الوجوب والقدم وصفات الكمال، فقوله: * (لا تتخذوا إلهين اثنين) * المقصود من تكريره تأكيد التنفير عنه وتكميل وقوف العقل على ما فيه من القبح. وثالثها: أن قوله: * (إلهين) * لفظ واحد يدل على أمرين: ثبوت الإله وثبوت التعدد، فإذا قيل: لا تتخذوا إلهين لم يعرف من هذا الفظ أن النهي وقع عن إثبات الإله أو عن إثبات التعدد أو عن مجموعهما. فلما قال: * (لا تتخذوا إلهين اثنين) * ثبت أن قوله: * (لا تتخذوا إلهين) * نهي عن إثبات التعدد فقط. ورابعها: أن الأثنينية منافية للإلهية، وتقريره من وجوه: الأول: أنا لو فرضنا موجودين يكون كل واحد منهما واجبا لذاته لكانا مشتركين في الوجوب الذاتي ومتباينين بالتعين وما به المشاركة غير ما به المباينة، فكل واحد منهما مركب من جزأين، وكل مركب فهو ممكن، فثبت أن القول بأن واجب الوجود أكثر من واحد ينفي القول بكونهما واجبي الوجود. والثاني: أنا لو فرضنا إلهين وحاول أحدهما تحريك جسم والآخر تسكينه امتنع كون أحدهما أولى بالفعل من الثاني، لأن الحركة الواحدة والسكون الواحد لا يقبل القسمة أصلا ولا التفاوت أصلا، وإذا كان كذلك امتنع أن تكون القدرة على أحدهما أكمل من القدرة على الثاني، وإذا ثبت هذا امتنع كون إحدى القدرتين أولى بالتأثير من الثانية، وإذا ثبت هذا فإما أن يحصل مراد كل واحد منهما وهو محال، أو لا يحصل مراد كل واحد منهما وهو محال أو لا يحصل مراد كل واحد منهما البتة. فحينئذ يكون كل واحد منهما عاجزا والعاجز لا يكون إلها. فثبت أن كونهما اثنين ينفي كون كل واحد منهما إلها. الثالث: أنا لو فرضنا إلهين اثنين لكان إما أن يقدر أحدهما على أن يستر ملكه عن الآخر أو لا يقدر، فإن قدر ذاك إله والآخر ضعيف، وإن لم يقدر فهو ضعيف، والرابع: وهو أن أحدهما إما أن يقوى على مخالفة الآخر، أو لا يقوى عليه فإن لم يقو عليه فهو ضعيف، وإن قوي عليه فذاك الآخر إن لم يقو على الدفع فهو ضعيف، وإن قوي عليه فالأول المغلوب ضعيف. فثبت أن الأثنينية والإلهية متضادتان. فقوله: * (لا تتخذوا إلهين اثنين) * المقصود منه التنبيه على حصول المنافاة والمضادة بين الإلهية وبين الأثنينية. والله أعلم.
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الكلام قال: * (إنما هو إله واحد) * والمعنى: أنه لما دلت الدلائل السابقة على أنه لا بد للعالم من الإله، وثبت أن القول بوجود الإلهين محال، ثبت أنه لا إله إلا الواحد الأحد الحق الصمد.
ثم قال بعده: * (فإياي فارهبون) * وهذا رجوع من الغيبة إلى الحضور، والتقدير: أنه لما ثبت