اعلم أنه تعالى لما بين بالدلائل القاهرة فساد أقوال الشرك والتشبيه، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم وبين فسادها وسخافتها.
(فالنوع الأول) من كلماتهم الفاسدة أنهم يجعلون لما لا يعملون نصيبا وفيه مسألتان:
(المسألة الأولى) الضمير في قوله (لما لا يعلمون) إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى المشركين المذكورين في قوله (إذا فريق منكم بربهم يشركون) والمعنى أن المشركين لا يعلمون والثاني: أنه عائد إلى الأصنام أي لا يعلم الأصنام ما يفعل عبادها قال بعضهم: الأول أولى لوجوه:
أحدها: أن نفى العلم عن الحي حقيقة وعن الجماد مجاز. وثانيها. أن الضمير في قوله (ويجعلون) عائد إلى المشركين فكذلك في قوله (لما لا يعملون) يجب أن يكون عائد إليهم وثالثها: أن قوله (لما لا يعلمون) جمع بالواو والنون، وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام التي هي جمادات، ومنهم من قال بال القوم الثاني أولى لوجوه: الأول: أنا إذا قلنا إنه عائد إلى المشركين افتقرنا إضمار، فان التقدير: ويجعلون لما لا يعلمون إلها، أولها لا يعلمون كونه نافعا ضارا، وإذا قلنا إنه عائد إلى الأصنام، لم نفتقر إلى الاضمار لان التقدير: ويجعلون لما لا علم لها ولا فهم، والثاني، أنه لو كان العلم مضافا إلى المشركين لفسد المعنى، لان من المحال أن يجعلوا نصيبا من رزقهم لما لا يعلمونه، فهذا ما قيل في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر.
واعلم أنا إذا قلنا بالقول الأول افتقرنا فيه إلى الاضمار، وذلك يحتمل وجوها: أحدها:
ويجعلون لما لا يعلمون له حقا، ولا يعلمون في طاعته نفعا ولا في الاعراض عنه ضررا، قال مجاهد:
يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ثم يجعلون لما لا يعلمون أن ينفعهم ويضرهم نصيبا.
وثانيها: ويجعلون لما لا يعلمون إلهيتها. وثالثها: ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها معبودة. ورابعها: المراد استحقار الأصنام حتى كا، ها لقلبتها لا تعلم.
(المسألة الثانية) في تفسير ذلك النصيب احتمالات: الأول: المراد منه أنهم جعلوا لله نصيبا من الحرث والانعام يتقربون إلى الله تعالى به، ونصيبا إلى الأصنام يتقربون به إليها، وقد شرحنا ذلك في آخر سورة الأنعام. والثاني: أن المراد من هذا النصيب، البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وهو قول الحسن. والثالث: ربما اعتقدوا في بعض الأشياء إنما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام، كما أن المنجمعين يوزعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة، فيقولون لزحل كذا من المعادن والنبات والحيوانات، وللمشتري أشياء أخرى فكذا ههنا.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن المشركين هذا المذهب قال (تالله لتسألن) وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة