أن أبا جهل قال: زعم صاحبكم بأن نار جهنم تحرق الحجر حيث قال: * (وقودها الناس والحجارة) * (التحريم: 6) ثم يقول: بأن في النار شجرا والنار تأكل الشجر فكيف تولد فيها الشجر. والثاني: قال ابن الزبعري ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فتزقموا منه، فأنزل الله تعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجر: * (إنا جعلناك فتنة للظالمين) * (الصافات: 63) الآيات.
فإن قيل: ليس في القرآن لعن هذه الشجرة.
قلنا: فيه وجوه: الأول: المراد لعن الكفار الذين يأكلونها. الثاني: العرب تقول لكل طعام مكروه ضار إنه ملعون. والثالث: أن اللعن في أصل اللغة هو التبعيد فلما كانت هذه الشجرة الملعونة في القرآن مبعدة عن جميع صفات الخير سميت ملعونة.
القول الثاني: قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشجرة بنو أمية يعني الحكم بن أبي العاص قال ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم يخبر برؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد ذلك عليه، واتهم عمر في إفشاء سره، ثم ظهر أن الحكم كان يتسمع إليهم فنفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الواحدي: هذه القصة كانت بالمدينة، والسورة مكية فيبعد هذا التفسير إلا أن يقال: هذه الآية مدنية ولم يقل به أحد، ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة لمروان لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنه الله.
والقول الثالث: أن الشجرة الملعونة في القرآن هي اليهود لقوله تعالى: * (لعن الذين كفروا) * (المائدة: 78).
فإن قال قائل: إن القوم لما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإتيان بالمعجزات القاهرة فأجاب أنه لا مصلحة في إظهارها لأنها لو ظهرت ولم تؤمنوا نزل الله عليكم عذاب الاستئصال، وذلك غير جائز وأي تعلق لهذا الكلام بذكر الرؤيا التي صارت فتنة للناس وبذكر الشجرة التي صارت فتنة للناس.
قلنا: التقدير كأنه قيل: إنهم لما طلبوا هذه المعجزات ثم إنك لم تظهرها صار عدم ظهورها شبهة لهم في أنك لست بصادق في دعوى النبوة إلا أن وقوع هذه الشبهة لا يوهن أمرك ولا يصير سببا لضعف حالك ألا ترى أن ذكر تلك الرؤيا صار سببا لوقوع الشبهة العظيمة في القلوب ثم إن قوة تلك الشبهات ما أوجبت ضعفا في أمرك ولا فتورا في اجتماع المحقين عليك فكذلك هذه الشبهة الحاصلة بسبب عدم ظهور هذه المعجزات لا توجب فتورا في حالك، ولا ضعفا في أمرك، والله أعلم.