تزوج بامرأة من بني إسرائيل فطلبت تلك المرأة من ذلك الملك أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا، فهو قوله: * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) *.
والقول الثاني: إن المراد من قوله: * (بعثنا عليكم عبادا لنا) * أن الله تعالى سلط عليهم جالوت حتى أهلكهم وأبادهم وقوله: * (ثم رددنا لكم الكرة) * هو أنه تعالى قوى طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود حتى قتل جالوت فذاك هو عود الكرة.
والقول الثالث: إن قوله: * (بعثنا عليكم عبادا لنا) * هو أنه تعالى ألقى الرعب من بني إسرائيل في قلوب المجوس، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال ذلك الرعب عن قلوب المجوس فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم.
واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواما قتلوهم وأفنوهم.
ثم قال تعالى: * (فجاسوا خلال الديار) * قال الليث: الجوس والجوسان التردد خلال الديار، والبيوت في الفساد، والخلال هو الانفراج بين الشيئين، والديار ديار بيت المقدس، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير جاسوا فعن ابن عباس فتشوا وقال أبو عبيدة: طلبوا من فيها. وقال ابن قتيبة: عاثوا وأفسدوا. وقال الزجاج: طافوا خلال الديار هل بقي أحد لم يقتلوه. قال الواحدي: الجوس هو التردد والطلب وذلك محتمل لكل ما قالوه.
ثم قال تعالى: * (وكان وعدا مفعولا) * أي كان قضاء الله بذلك قضاء جزما حتما لا يقبل النقض والنسخ، ثم قال تعالى: * (ثم رددنا لكم الكرة) * أي أهلكنا أعداءكم ورددنا الدولة والقوة عليكم: * (وجعلناكم أكثر نفيرا) * النفير العدد من الرجال وأصله من نفر مع الرجل من عشيرته وقومه، والنفير والنافر واحد، كالقدير والقادر، وذكرنا معنى نفر عند قوله: * (فلولا نفر من كل فرقة) * (التوبة: 122) وقوله: * (انفروا خفافا) * (التوبة: 41).
المسألة الثانية؛ احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم في مسألة القضاء والقدر من وجوه: الأول: أنه تعالى قال: * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) * وهذا القضاء أقل احتمالاته الحكم الجزم، والخبر الحتم، فثبت أنه تعالى أخبر عنهم أنهم سيقدمون على الفساد والمعاصي خبرا جزما لا يقبل النسخ، لأن القضاء معناه الحكم الجزم على ما شرحناه. ثم إنه تعالى أكد ذلك القضاء مزيد تأكيد فقال: * (وكان وعدا مفعولا) *.