فإن قالوا: أليس أنه يضيف ذاته إلى نفسه، فيقول ذاتي ونفسي فيلزمكم أن تكون نفسه مغايرة لذاته، وهذا محال.
قلنا: نحن لا نتمسك بمجرد اللفظ حتى يلزمنا ما ذكرتموه، بل إنما نتمسك بمحض العقل، فإن صريح العقل يدل على أن الإنسان موجود واحد وذلك الشيء الواحد يأخذ بآله اليد ويبصر بآلة العين، ويسمع بآلة الأذن فالإنسان شيء واحد، وهذه الأعضاء آلات له في هذه الأفعال، وذلك يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذه الأعضاء والآلات، فثبت بهذه الوجوه أن الإنسان شيء مغاير لهذه البنية ولهذا الجسد.
إذا ثبت هذا فنقول: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * المراد من العبد جوهر الروح وعلى هذا التقرير فلم يبقى في الآية دلالة على حصول الإسراء بالجسد.
فإن قالوا: فالإسراء بالروح ليس بأمر مخالف للعادة، فلا يليق به أن يقال: * (سبحان الذي أسرى بعبده) *.
قلنا: هذا أيضا بعيد، لأنه لا يبعد أن يقال: إنه حصل لروحه من أنواع المكاشفات والمشاهدات ما لم يحصل لغيره البتة، فلا جرم كان هذا الكلام لائقا به، فهذا تقرير وجه السؤال على الاستدلال بهذه الآية في إثبات المعراج بالروح والجسد معا.
والجواب: أن لفظ العبد لا يتناول إلا مجموع الروح والجسد، والدليل عليه قوله تعالى: * (أرأيت الذي ينهى * عبدا إذا صلى) * (العلق: 9، 10) ولا شك أن المراد من العبد ههنا مجموع الروح والجسد. وقال أيضا في سورة الجن: * (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) * (الجن: 19) والمراد مجموع الروح والجسد فكذا ههنا، وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم منه إلى السماوات، واحتج المنكرون له بوجوه: أحدها: بالوجوه العقلية وهي ثلاثة: أولها: أن الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة. وثانيها: أن صعود الجرم الثقيل إلى السماوات غير معقول. وثالثها: أن صعوده إلى السماوات يوجب انحراق الأفلاك، وذلك محال.
والشبهة الثانية: أن هذا المعنى لو صح لكان أعظم من سائر المعجزات وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلوا به على صدقه في ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون ذلك عبثا، وذلك لا يليق بالحكيم.
والشبهة الثالثة: تمسكوا بقوله: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * (الإسراء: 60) وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس؟ لأن كثيرا ممن آمن به لما سمع هذا الكلام كذبه وكفر