أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه، فكذلك الوقت والزمان لا يكمل الانتفاع به إلا بالنهار والليل.
والوجه الثاني: في تقرير النظم أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وذلك الأقوم ليس إلا ذكر الدلائل الدالة على التوحيد والنبوة، لا جرم أردفه بذكر دلائل التوحيد، وهو عجائب العالم العلوي والسفلي.
الوجه الثالث: أنه لما وصف الإنسان بكونه عجولا أي منتقلا من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة، بين أن كل أحوال هذا العالم كذلك، وهو الانتقال من النور إلى الظلمة وبالضد، وانتقال نور القمر من الزيادة إلى النقصان وبالضد. والله أعلم.
المسألة الثانية؛ في قوله: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) * قولان:
القول الأول: أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل والنهار. والمعنى: أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين والدنيا. أما في الدين: فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر مغاير له، مع كونهما متعاقبين على الدوام، من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين لذاتهما، بل لا بد لهما من فاعل يدبرهما ويقدرهما بالمقادير المخصوصة، وأما في الدنيا: فلأن مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل والنهار، فلولا الليل لما حصل السكون والراحة، ولولا النهار لما حصل الكسب والتصرف في وجوه المعاش.
ثم قال تعالى: * (فمحونا آية الليل) * وعلى هذا القول: تكون الإضافة في آية الليل والنهار للتبيين، والتقدير: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي نفس النهار مبصرة، ونظيره قولنا: نفس الشيء وذاته، فكذلك آية الليل هي نفس الليل. ويقال أيضا: دخلت بلاد خراسان أي دخلت البلاد التي هي خراسان، فكذلك ههنا.
القول الثاني: أن يكون المراد وجعلنا نيري الليل والنهر آيتين يريد الشمس والقمر، فمحونا آية الليل وهي القمر، وفي تفسير محو القمر قولان:
القول الأول: المراد منه ما يظهر في القمر من الزيادة والنقصان في النور، فيبدو في أول الأمر في صورة الهلال، ثم لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرا كاملا، ثم يأخذ في الانتقاص قليلا قليلا، وذلك هو المحو، إلى أن يعود إلى المحاق.
والقول الثاني: المراد من محو القمر الكلف الذي يظهر في وجهه يروى أن الشمس والقمر كانا سواء في النور والضوء، فأرسل الله جبريل عليه الصلاة والسلام فأمر جناحه على وجه القمر