به فكان حديث المعراج سببا لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآه في المنام. الشبهة الرابعة: أن حديث المعراج اشتمل على أشياء بعيدة، منها ما روي من شق بطنه وتطهيره بما زمزم وهو بعيد، لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النجاسات العينية ولا تأثير لذلك في تطهير القلب عن العقائد الباطلة والأخلاق المذمومة، ومنها ما روي من ركوب البراق وهو بعيد، لأنه تعالى لما سيره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأي حاجة إلى البراق، ومنها ما روي أنه تعالى أوجب خمسين صلاة ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يزل يتردد بين الله تعالى وبين موسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه الصلاة والسلام. قال القاضي: وهذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وأنه يوجب البداء وذلك على الله تعالى محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما يجوز قبوله فكان مردودا.
والجواب عن الوجوه العقلية قد سبق فلا نعيدها.
والجواب عن الشبهة الثانية: ما ذكره الله تعالى وهو قوله: * (لنريه من آياتنا) * وهذا كلام مجمل وفي تفصيله وشرحه وجوه: الأول: أن خيرات الجنة عظيمة، وأهوال النار شديدة، فلو أنه عليه الصلاة والسلام ما شاهدهما في الدنيا، ثم شاهدهما في ابتداء يوم القيامة فربما رغب في خيرات الجنة أو خاف من أهوال النار، أما لما شاهدهما في الدنيا في ليلة المعراج فحينئذ لا يعظم وقعهما في قلبه يوم القيامة فلا يبقى مشغول القلب بهما، وحينئذ يتفرغ للشفاعة. الثاني: لا يمتنع أن تكون مشاهدته ليلة المعراج للأنبياء والملائكة، صارت سببا لتكامل مصلحته أو مصلحتهم. الثالث: أنه لا يبعد أنه إذا صعد الفلك وشاهد أحوال السماوات والكرسي والعرش، صارت مشاهدة أحوال هذا العالم وأهواله حقيرة في عينه، فتحصل له زيادة قوة في القلب باعتبارها يكون في شروعه في الدعوة إلى الله تعالى أكمل وقلة التفاته إلى أعداء الله تعالى أقوى، يبين ذلك أن من عاين قدرة الله تعالى في هذا الباب، لا يكون حاله في قوة النفس وثبات القلب على احتمال المكاره في الجهاد وغيره إلا أضعاف ما يكون عليه حال من لم يعاين.
واعلم أن قوله: * (لنريه من آياتنا) * كالدلالة على أن فائدة ذلك الإسراءة مختصة به وعائدة إلى على بسل التعيين.
والجواب عن الشبهة الثالثة: أنا عند الانتهاء إلى تفسير تلك الآية في هذه السورة نبين أن تلك الرؤيا رؤيا عيان لا رؤيا منام.
والجواب عن الشبهة الرابعة: لا اعتراض على الله تعالى في أفعاله فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والله أعلم.