له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلمآ أنجاهم إذا هم يبغون فى الارض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيواة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما قال: * (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا) * كان هذا الكلام كلاما كليا لا ينكشف معناه تمام الانكشاف. إلا بذكر مثال كامل، فذكر الله تعالى لنقل الإنسان من الضر الشديد إلى الرحمة مثالا، ولمكر الإنسان مثالا، حتى تكون هذه الآية كالمفسرة للآية التي قبلها، وذلك لأن المعنى الكلي لا يصل إلى أفهام السامعين إلا بذكر مثال جلي واضح يكشف عن حقيقة ذلك المعنى الكلي.
واعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود، حصل له الفرح التام والمسرة القوية، ثم قد تظهر علامات الهلاك دفعة واحدة. فأولها: أن تجيئهم الرياح العاصفة الشديدة. وثانيها: أن تأتيهم الأمواج العظيمة من كل جانب. وثالثها: أن يغلب على ظنونهم أن الهلاك واقع، وأن النجاة ليست متوقعة، ولا شك أن الانتقال من تلك الأحوال الطيبة الموافقة إلى هذه الأحوال القاهرة الشديدة يوجب الخوف العظيم، والرعب الشديد، وأيضا مشاهدة هذه الأحوال والأهوال في البحر مختصة بإيجاب مزيد الرعب، والخوف ثم إن الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضل الله ورحمته، ويصير منقطع الطمع عن جميع الخلق، ويصير بقلبه وروحه وجميع أجزائه متضرعا إلى الله تعالى، ثم إذا نجاه الله تعالى من هذه البلية العظيمة، ونقله من هذه المضرة القوية إلى الخلاص والنجاة، ففي الحال ينسى تلك النعمة ويرجع إلى ما ألفه واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة، فظهر أنه لا يمكن تقرير ذلك المعنى الكلي المذكور في الآية المتقدمة بمثال أحسن وأكمل من المثال المذكور في هذه الآية.
المسألة الثانية: يحكى أن واحدا قال لجعفر الصادق: أذكر لي دليلا على إثبات الصانع فقال: أخبرني عن حرفتك: فقال: أنا رجل أتجر في البحر، فقال: صف لي كيفية حالك. فقال: ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح واحد من ألواحها، وجاءت الرياح العاصفة، فقال