القول الثاني: أنه لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية. قالت المعتزلة ويدل على ذلك وجوه: الأول: أن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية الله تعالى ممتنعة. والثاني: أن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى ليست من جنس نعيم الجنة. الثالث: أن الخبر الذي تمسكتم به في هذا الباب هو ما روي أن الزيادة، هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهذا الخبر يوجب التشبيه، لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جهة المرئي. وذلك يقتضي كون المرئي في الجهة، لأن الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك أيضا يوجب التشبيه. فثبت أن هذا اللفظ لا يمكن حمله على الرؤية، فوجب حمله على شيء آخر، وعند هذا قال الجبائي: الحسنى عبارة عن الثواب المستحق، والزيادة هي ما يزيده الله تعالى على هذا الثواب من التفضل. قال: والذي يدل على صحته، القرآن وأقوال المفسرين.
أما القرآن: فقوله تعالى: * (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) * (فاطر: 30).
وأما أقوال المفسرين: فنقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة. وعن ابن عباس: أن الحسنى هي الحسنة، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن: عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد: الزيادة مغفرة الله ورضوانه. ورضوانه وعن يزيد بن سمرة: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم. فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم. أجاب أصحابنا عن هذه الوجوه فقالوا: أما قولكم إن الدلائل العقلية دلت على امتناع رؤية الله تعالى فهذا ممنوع، لأنا بينا في كتب الأصول أن تلك الدلائل في غاية الضعف ونهاية السخافة، وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية الله تعالى وجاءت الأخبار الصحيحة بإثبات الرؤية، وجب إجراؤها على ظواهرها. أما قوله الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه. فنقول: المزيد عليه، إذا كان مقدرا بمقدار معين، وجب أن تكون الزيادة عليه مخالفة له.
مثال الأول: قول الرجل لغيره: أعطيتك عشرة أمداد من الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة من الحنطة.
ومثال الثاني: قوله أعطيتك الحنطة وزيادة، فههنا يجب أن تكون تلك الزيادة غير الحنطة، والمذكور في هذه الآية لفظ * (الحسنى) * وهي الجنة، وهي مطلقة غير مقدرة بقدر معين، فوجب أن تكون تلك الزيادة عليها شيئا مغايرا لكل ما في الجنة. وأما قوله: الخبر المذكور في هذا الباب، اشتمل على لفظ النظر، وعلى إثبات الوجه لله تعالى، وكلاهما يوجبان التشبيه. فنقول: هذا الخبر أفاد إثبات الرؤية، وأفاد إثبات الجسمية. ثم قام الدليل على أنه ليس بجسم، ولم يقم الدليل على امتناع رأيته، فوجب ترك العمل بما قام الدليل على فساده فقط، وأيضا فقد بينا أن لفظ هذه الآية