قتل أحد ابنيه الابن الثاني، وقال قوم: إنهم بقوا على دين الإسلام إلى زمن نوح، وكانوا عشرة قرون. ثم اختلفوا على عهد نوح. فبعث الله تعالى إليهم نوحا. وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام في زمن نوح بعد الغرق، إلى أن ظهر الكفر فيهم. وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي، وهذا القائل قال: المراد من الناس في قوله تعالى: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * فاختلفوا العرب خاصة.
إذا عرفت تفصيل هذا القول فنقول: إنه تعالى لما بين فيما قبل فساد القول بعبادة الأصنام بالدليل الذي قررناه، بين في هذه الآية أن هذا المذهب ليس مذهبا للعرب من أول الأمر، بل كانوا على دين الإسلام، ونفي عبادة الأصنام. ثم حذف هذا المذهب الفاسد فيهم، والغرض منه أن العرب إذا علموا أن هذا المذهب ما كان أصليا فيهم، وأنه إنما حدث بعد أن لم يكن، لم يتعصبوا لنصرته، ولم يتأذوا من تزييف هذا المذهب، ولم تنفر طباعهم من إبطاله. ومما يقوي هذا القول وجهان: الأول: أنه تعالى قال: * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) ثم بالغ في إبطاله بالدليل. ثم قال عقيبه: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * فلو كان المراد منه بيان أن هذا الكفر كان حاصلا فيهم من الزمان القديم، لم يصح جعل هذا الكلام دليلا على إبطال تلك المقالة. أما لو حملناه على أن الناس في أول الأمر كانوا مسلمين، وهذا الكفر إنما حدث فيهم من زمان، أمكن التوسل به إلى تزييف اعتقاد الكفار في هذه المقالة، وفي تقبيح صورتها عندهم، فوجب حمل اللفظ عليه تحصيلا لهذا الغرض. الثاني: أنه تعالى قال: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم) * ولا شك أن هذا وعيد، وصرف هذا الوعيد إلى أقرب الأشياء المذكورة أولى، والأقرب هو ذكر الاختلاف، فوجب صرف هذا الوعيد إلى هذا الاختلاف، لا إلى ما سبق من كون الناس أمة واحدة، وإذا كان كذلك، وجب أن يقال: كانوا أمة واحدة في الإسلام لا في الكفر، لأنهم لو كانوا أمة واحدة في الكفر لكان اختلافهم بسبب الإيمان، ولا يجوز أن يكون الاختلاف الحاصل بسبب الإيمان سببا لحصول الوعيد. أما لو كانوا أمة واحدة في الإيمان لكان اختلافهم بسبب الكفر، وحينئذ يصح جعل ذلك الاختلاف سببا للوعيد.
القول الثاني: قول من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الكفر، وهذا القول منقول عن طائفة من المفسرين. قالوا: وعلى هذا التقدير ففائدة هذا الكلام في هذا المقام هي أنه تعالى بين للرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لا تطمع في أن يصير كل من تدعوه إلى الدين مجيبا لك، قابلا لدينك.