اللهم) * الخامس: قال القاضي: المراد من قوله: * (دعواهم) * أي طريقتهم في تمجيد الله تعالى وتقديسه وشأنهم وسنتهم. والدليل على أن المراد ذلك أن قوله: * (سبحانك اللهم) * ليس بدعاء ولا بدعوى، إلا أن المدعي للشيء يكون مواظبا على ذكره، لا جرم جعل لفظ الدعوى كناية عن تلك المواظبة والملازمة. فأهل الجنة لما كانوا مواظبين على هذا الذكر، لا جرم أطلق لفظ الدعوى عليها. السادس: قال القفال: قيل في قوله: * (لهم ما يدعون) * (يس: 57) أي ما يتمنونه، والعرب تقول: ادع ما شئت علي، أي تمن. وقال ابن جريج: أخبرت أن قوله: * (دعواهم فيها سبحانك اللهم) * هو أنه إذا مر بهم طير يشتهونه قالوا * (سبحانك اللهم) * فيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فقد خرج تأويل الآية من هذا الوجه، على أنهم إذا اشتهوا الشيء قالوا سبحانك اللهم، فكان المراد من دعواهم ما حصل في قلوبهم من التمني، وفي هذا التفسير وجه آخر هو أفضل وأشرف مما تقدم، وهو أن يكون المعنى أن تمنيهم في الجنة أن يسبحوا الله تعالى، أي تمنيهم لما يتمنونه، ليس إلا في تسبيح الله تعالى وتقديسه وتنزيهه. السابع: قال القفال أيضا: ويحتمل أن يكون المعنى في الدعوى ما كانوا يتداعونه في الدنيا في أوقات حروبهم ممن يسكنون إليه ويستنصرونه، كقولهم: يا آل فلان، فأخبر الله تعالى أن أنسهم في الجنة بذكرهم الله تعالى، وسكونهم بتحميدهم الله. ولذتهم بتمجيدهم الله تعالى.
المسألة الثانية: أن قوله: * (سبحانك اللهم) * فيه وجهان:
الوجه الأول: قول من يقول: أن أهل الجنة جعلوا هذا الذكر علامة على طلب المشتهيات قال ابن جريج: إذا مر بهم طيرا اشتهوه؛ قالوا سبحانك اللهم فيؤتون به، فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا: * (الحمد لله رب العالمين) * وقال الكلبي: قوله: * (سبحانك اللهم) * علم بين أهل الجنة والخدام، فإذا سمعوا ذلك من قولهم أتوهم بما يشتهون. واعلم أن هذا القول عندي ضعيف جدا، وبيانه من وجوه: أحدها: أن حاصل هذا الكلام يرجع إلى أن أهل الجنة جعلوا هذا الذكر العالي المقدس علامة على طلب المأكول والمشروب والمنكوح، وهذا في غاية الخساسة. وثانيها: أنه تعالى قال في صفة أهل الجنة: * (ولهم ما يشتهون) * فإذا اشتهوا أكل ذلك الطير، فلا حاجة بهم إلى الطلب، وإذا لم يكن بهم حاجة إلى الطلب، فقد سقط هذا الكلام. وثالثها: أن هذا يقتضي صرف الكلام عن ظاهره الشريف العالي إلى محمل خسيس لا إشعار للفظ به، وهذا باطل.
الوجه الثاني: في تأويل هذه الآية أن نقول: المراد اشتغال أهل الجنة بتقديس الله سبحانه وتمجيده والثناء عليه، لأجل أن سعادتهم في هذا الذكر وابتهاجهم به وسرورهم به، وكمال حالهم لا يحصل إلا منه، وهذا القول هو الصحيح الذي لا محيد عنه. ثم على هذا التقدير ففي الآية وجوه: