واطمأنوا بها، وكانوا عن آيات الله غافلين؛ بين أن من غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلا منهم وسفها.
المسألة الثانية: أنه تعالى أخبر في آيات كثيرة أن هؤلاء المشركين متى خوفوا بنزول العذاب في الدنيا استعجلوا ذلك العذاب كما قالوا: * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * (الأنفال: 32) وقال تعالى: * (سأل سائل بعذاب واقع) * (المعارج: 1) الآية. ثم إنهم لما توعدوا بعذاب الآخرة في هذه الآية وهو قوله: * (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) * (يونس: 8) استعجلوا ذلك العذاب، وقالوا: متى يحصل ذلك كما قال تعالى: * (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) * (الشورى: 18) وقال في هذه السورة بعد هذه الآية: * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * (الأنبياء: 38) إلى قوله: * (آلآن وقد كنتم به تستعجلون) * (يونس: 51) وقال في سورة الرعد: * (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) * (الرعد: 6) فبين تعالى أنهم لا مصلحة لهم في تعجيل إيصال الشر إليهم، لأنه تعالى لو أوصل ذلك العقاب إليهم لماتوا وهلكوا، لأن تركيبهم في الدنيا لا يحتمل ذلك ولا صلاح في إماتتهم، فربما آمنوا بعد ذلك، وربما خرج من صلبهم من كان مؤمنا، وذلك يقتضي أن لا يعاجلهم بإيصال ذلك الشر.
المسألة الثالثة: في لفظ الآية إشكال، وهو أن يقال: كيف قابل التعجل بالاستعجال، وكان الواجب أن يقابل التعجيل بالتعجيل، والاستعجال بالاستعجال.
والجواب عنه من وجوه: الأول: قال صاحب " الكشاف ": أصل هذا الكلام، ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير إلا أنه وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته وإسعافه بطلبهم، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم. الثاني: قال بعضهم حقيقة قولك عجلت فلانا طلبت عجلته، وكذلك عجلت الأمر إذا أتيت به عاجلا، كأنك طلبت فيه العجلة والاستعجال أشهر وأظهر في هذا المعنى، وعلى هذا الوجه يصير معنى الآية لو أراد الله عجلة الشر للناس كما أرادوا عجلة الخير لهم لقضى إليهم أجلهم، قال صاحب هذا الوجه، وعلى هذا التقدير: فلا حاجة إلى العدول عن ظاهر الآية. الثالث: أن كل من عجل شيئا فقد طلب تعجيله، وإذا كان كذلك، فكل من كان معجلا كان مستعجلا، فيصير التقدير، ولو استعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير إلا أنه تعالى وصف نفسه بتكوين العجلة ووصفهم بطلبها، لأن اللائق به تعالى هو التكوين واللائق بهم هو الطلب.
المسألة الرابعة: أنه تعالى سمى العذاب شرا في هذه الآية، لأن أذى في حق المعاقب ومكروه عنده كما أنه سماه سيئة في قوله: * (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة) * (الرعد: 6) وفي قوله: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40).