المسألة الثالثة: الكلام المستقصى في تفسير هذا النوع من الكلمات قد تقدم في أول سورة البقرة إلا أنا نذكر ههنا أيضا بعض ما قيل. قال ابن عباس * (الر) * معناه أنا الله أرى. وقيل أنا الرب لا رب غيري. وقيل * (الر) * و * (حم) * و * (ن) * اسم الرحمن.
قوله تعالى: * (تلك آيات الكتاب الحكيم) * فيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله: * (تلك) * يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، وأيضا فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى الذي منه نسخ كل كتاب، كما قال تعالى: * (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) * (الواقعة: 77، 78) وقال تعالى: * (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) * (البروج: 22) وقال: * (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) * (الزخرف: 4) وقال: * (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * (الرعد: 39).
وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل ههنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات:
الاحتمال الأول: أن يقال: المراد من لفظة * (تلك) * الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة، فكان التقدير تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، ولا يغيره كرور الدهر، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة * (الر) * هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء.
الاحتمال الثاني: أن يقال: المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله.
واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا: * (تلك) * إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال، وهو أن * (تلك) * يشار بها إلى الغائب، وآيات هذه السورة حاضرة، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ * (تلك) *.
واعلم أن هذا السؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى: * (ألم ذلك الكتاب) * (البقرة: 1، 2). الاحتمال الثالث والرابع: أن يقال: لفظ * (تلك) * إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن، والمراد بها: هي آيات القرآن الحكيم، والمراد أنها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند الله تعالى، وفي الآية قولان آخران: أحدهما: أن يكون المراد من * (الكتاب الحكيم) * التوراة والإنجيل، والتقدير: أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل، والمعنى: أن القصص المذكورة في هذه السورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة