في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أن كفار قريش تعجبوا من تخصيص الله تعالى محمدا بالرسالة والوحي، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك التعجب. أما بيان كون الكفار تعجبوا من هذا التخصيص فمن وجوه: الأول: قوله تعالى: * (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد) * (ص: 5 و 6) وإذا بلغوا في الجهالة إلى أن تعجبوا من كون الإله تعالى واحدا، لم يبعد أيضا أن يتعجبوا من تخصيص الله تعالى محمدا بالوحي والرسالة! والثاني: أن أهل مكة كانوا يقولون: إن الله تعالى ما وجد رسولا إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب! والثالث: أنهم قالوا: * (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) * (الزخرف: 31) وبالجملة فهذا التعجب يحتمل وجهين: أحدهما: أن يتعجبوا من أن يجعل الله بشرا رسولا، كما حكي عن الكفار أنهم قالوا: * (أبعث الله بشرا رسولا) * (الإسراء: 94) والثاني: أن لا يتعجبوا من ذلك بل يتعجبوا من تخصيص محمد عليه الصلاة والسلام بالوحي والنبوة مع كونه فقيرا يتيما، فهذا بيان أن الكفار تعجبوا من ذلك. وأما بيان أن الله تعالى أنكر عليهم هذا التعجب فهو قوله في هذه الآية: * (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) * فإن قوله: * (أكان للناس عجبا) * لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإنكار، لأن يكون ذلك عجبا. وإنما وجب إنكار هذا التعجب لوجوه: الأول: أنه تعالى مالك الخلق وملك لهم والمالك والملك هو الذي له الأمر والنهي والإذن والمنع. ولا بد من إيصال تلك التكاليف إلى أولئك المكلفين بواسطة بعض العباد. وإذا كان الأمر كذلك كان إرسال الرسول أمرا غير ممتنع، بل كان مجوزا في العقول. الثاني: أنه تعالى خلق الخلق للاشتغال بالعبودية كما قال: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (الذاريات: 56) وقال: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) * (الإنسان: 2) وقال: * (قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى) * (الأعلى: 14، 15) ثم إنه تعالى أكمل عقولهم ومكنهم من الخير والشر، ثم علم تعالى أن عباده لا يشتغلون بما كلفوا به، إلا إذا أرسل إليهم رسولا ومنبها. فعند هذا يجب وجوب الفضل والكرم والرحمة أن يرسل إليهم ذلك الرسول، وإذا كان ذلك واجبا فكيف يتعجب منه. الثالث: أن إرسال الرسل أمر ما أخلى الله تعالى شيئا من أزمنة وجود المكلفين منه، كما قال: * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * (يوسف: 109) فكيف يتعجب منه مع أنه قد سبقه النظير، ويؤكده قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * الأعراف: 59) وسائر قصص الأنبياء عليهم السلام. الرابع: أنه تعالى إنما أرسل إليهم رجلا عرفوا نسبه وعرفوا كونه أمينا بعيدا عن أنواع التهم والأكاذيب ملازما للصدق والعفاف. ثم إنه كان أميا لم يخالط أهل الأديان، وما قرأ كتابا أصلا البتة، ثم إنه مع ذلك يتلو عليهم أقاصيصهم ويخبرهم عن وقائعهم، وذلك يدل على كونه