المثال الرابع: أنه تعالى لما قدر على تخليق ما هو أعظم من أبدان الناس فكيف يقال: إنه لا يقدر على إعادتها؟ فإن من كان الفعل الأصعب عليه سهلا، فلأن يكون الفعل السهل الحقير عليه سهلا كان. أولى وهذا المعنى مذكور في آيات كثيرة: منها: قوله تعالى: * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * (يس: 81) وثانيها: قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى) * (الأحقاف: 33) وثالثها: * (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) * (النازعات: 27).
المثال الخامس: الاستدلال بحصول اليقظة بعد النوم على جواز الحشر والنشر، فإن النوم أخو الموت، واليقظة بعد الموت. قال تعالى: * (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) * (الأنعام: 60) ثم ذكر عقيبه أمر الموت والبعث، فقال: * (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * (الأنعام: 61، 62) وقال في آية أخرى * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * (الزمر: 42) إلى قوله: * (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) * (الرعد: 3) والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر.
المثال السادس: أن الإحياء بعد الموت لا يستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصول الضد، إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله تعالى، لأنه لما جاز حصول الموت عقيب الحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت؟ فإن حكم الضدين واحد. قال تعالى مقررا لهذا المعنى: * (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) * (الواقعة: 60) وأيضا نجد النار مع حرها ويبسها تتولد من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته فقال: * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) * (يس: 80) فكذا ههنا، فهذا جملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد، وحصول الحشر والنشر غير مستبعد في العقول.
المسألة الثانية: في إقامة الدلالة على أن المعاد حق واجب.
اعلم أن الأمة فريقان منهم من يقول: يجب عقلا أن يكون إله العالم رحيما عادلا منزها عن الإيلام والإضرار، إلا لمنافع أجل وأعظم منها، ومنهم من ينكر هذه القاعدة ويقول: لا يجب على الله تعالى شيء أصلا، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. أما الفريق الأول: فقد احتجوا على وجود المعاد من وجوه.
الحجة الأولى: أنه تعالى خلق الخلق وأعطاهم عقولا بها يميزون بين الحسن والقبيح، وأعطاهم قدرا بها يقدرون على الخير والشر. وإذا ثبت هذا فمن الواجب في حكمة الله تعالى وعدله