إلا أن القسي أبلغ من القاسي، كما يقال: قادر وقدير، وعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فكما أن القدير أبلغ من القادر فكذلك القسي أبلغ من القاسي، الثاني: أنه مأخوذ من قولهم: درهم قسي على وزن شقي، أي فاسد رديء. قال صاحب " الكشاف " وهو أيضا من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة، وقرئ (قسية) بكسر القاف للاتباع.
المسألة الثانية: قال أصحابنا * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * أي جعلناها نائبة عن قبول الحق منصرفة عن الانقياد للدلائل. وقالت المعتزلة * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * أي أخبرنا عنها بأنها صارت قاسية كما يقال: فلان جعل فلانا فاسقا وعدلا. ثم أنه تعالى ذكر بعض ما هو من نتائج تلك القسوة فقال * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ، وقد بينا فيما تقدم أن الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ. ثم قال تعالى: * (ونسوا حظا مما ذكروا به) * قال ابن عباس: تركوا نصيبا مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال تعالى: * (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) * وفي الخائنة وجهان: الأول: أن الخائنة بمعنى المصدر، ونظيره كثير، كالكافية والعافية، وقال تعالى: * (فأهلكوا بالطاغية) * (الحاقة: 5) أي بالطغيان. وقال * (ليس لوقعتها كاذبة) * (الواقعة: 2) أي كذب. وقال: * (لا تسمع فيها لاغية) * (الغاشية: 11) أي لغوا. وتقول العرب: سمعت راغية الإبل. وثاغية الشاء يعنون رغاءها وثغاءها. وقال الزجاج: ويقال عافاه الله عافية، والثاني: أن يقال: الخائنة صفة، والمعنى: تطلع على فرقة خائنة أو نفس خائنة أو على فعلة ذات خيانة. وقيل: أراد الخائن، والهاء للمبالغة كعلامة ونسابة. قال صاحب " الكشاف " وقرئ على خيانة منهم. ثم قال تعالى: * (إلا قليلا منهم) * وهم الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل: يحتمل أن يكون هذا القليل من الذين بقوا على العهد ولم يخونوا فيه.
ثم قال: * (فاعف عنهم واصفح) * وفيه قولان: الأول: أنه منسوخ بآية السيف، وذلك لأنه