والمسكنة، والثاني: أنه لما ذكر قوله * (اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم) * (المائدة: 11) وقد ذكرنا في بعض الروايات أن هذه الآية نزلت في اليهود، وأنهم أرادوا أيقاع الشر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ذكر الله تعالى ذلك أتبعه بذكر فضائحهم وبيان أنهم أبدا كانوا مواظبين على نقض العهود والمواثيق، الثالث: أن الغرض من الآيات المتقدمة ترغيب المكلفين في قبول التكاليف وترك التمرد والعصيان، فذكر تعالى أنه كلف من كان قبل المسلمين كما كلفهم ليعلموا أن عادة الله في التكليف والالزام غير مخصوصة بهم، بل هي عادة جارية له مع جميع عباده. المسألة الثانية: قال الزجاج: النقيب فعيل أصله من النقب وهو الثقب الواسع، يقال فلان نقيب القوم لأنه ينقب عن أحوالهم كما ينقب عن الأسرار ومنه المناقب وهي الفضائل لأنها لا تظهر إلا بالتنقيب عنها، ونقبت الحائط أي بلغت في النقب إلى آخرة، ومنه النقبة السراويل بغير رجلين لأنه قد بولغ في فتحها ونقبها، ويقال: كلب نقيب، وهو أن ينقب حنجرته لئلا يرتفع صوت نباحه، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيف. إذ عرفت هذا فنقول: النقيب فعيل، والفعيل يحتمل الفاعل والمفعول، فإن كان بمعنى الفاعل فهو الناقب عن أحوال القوم المفتش عنها، وقال أبو مسلم: النقيب ههنا فعيل بمعنى مفعول يعني اختارهم على بهم، ونظيره أنه يقال للمضروب: ضريب، وللمقتول قتيل. وقال الأصم: هم المنظور إليهم والمسند إليهم أمور القوم وتدبير مصالحهم.
المسألة الثالثة: أن بني إسرائيل كانوا اثنى عشر سبطا، فاختار الله تعالى من كل سبط رجلا يكون نقيبا لهم وحاكما فيهم. وقال مجاهد والكلبي والسدي: أن النقباء بعثوا إلى مدينة الجبارين الذين أمر موسى عليه السلام بالقتال معهم ليقفوا على أحوالهم ويرجعوا بذلك إلى نبيهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط إفراثيم بن يوسف، وهما اللذان قال الله تعالى فيهما * (قال رجلان من الذين يخافون) * (المائدة: 23) الآية.