قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ فذلك اختلافهم فيه.
المسألة الثانية: احتج نفاة القياس بهذه الآية وقالوا: العمل بالقياس اتباع للظن، واتباع الظن مذموم في كتاب الله بدليل أنه إنما ذكره في معرض الذم، ألا ترى أنه تعالى وصف اليهود والنصارى ههنا في معرض الذم بهذا فقال * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * وقال في سورة الأنعام في مذمة الكفار * (إن يتبعون إلا الظن وإن هم لا يخرصون) * (الأنعام: 116) وقال في آية أخرى * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (يونس: 36) وكل ذلك يدل على أن اتباع الظن مذموم.
والجواب: لا نسلم أن العمل بالقياس اتباع الظن، فإن الدليل القاطع لما دل على العمل بالقياس كان الحكم المستفاد من القياس معلوما لا مظنونا، وهذا الكلام له غور وفيه بحث.
ثم قال تعالى: * (وما قتلوه بل رفعه الله إليه) *.
واعلم أن هذا اللفظ يحتمل وجهين: أحدهما: يقين عدم القتل، والآخر يقين عدم الفعل، فعلى التقدير الأول يكون المعنى: أنه تعالى أخبر أنهم شاكون في أنه هل قتلوه أم لا، ثم أخبر محمدا بأن اليقين حاصل بأنهم ما قتلوه، وعلى التقدير الثاني يكون المعنى أنهم شاكون في أنه هل قتلوه أم لا، ثم أخبر محمدا بأن اليقين حاصل بأنهم ما قتلوه، وعلى التقدير الثاني يكون المعنى أنهم شاكون في أنه هل قتلوه؟ ثم أكد ذلك بأنهم قتلوا ذلك الشخص الذي قتلوه لا على يقين أنه عيسى عليه السلام، بل حين ما قتلوه كانوا شاكين في أنه هل هو عيسى أم لا، والاحتمال الأول أولى لأنه تعالى قال بعده * (بل رفعه الله إليه) * وهذا الكلام إنما يصح إذا تقدم القطع واليقين بعدم القتل.
أما قوله: * (بل رفعه الله إليه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو والكسائي * (بل رفعه الله إليه) * بإدغام اللام في الراء والباقون بترك الإدغام، حجتهما قرب مخرج اللام من الراء والراء أقوى من اللام بحصول التكرير فيها، ولهذا لم يجز إدغام الراء في اللام لأن الأنقص يدغم في الأفضل، وحجة الباقين أن الراء واللام حرفان من كلمتين فالأولى ترك الإدغام.
المسألة الثانية: المشبهة احتجوا بقوله تعالى: * (بل رفعه الله إليه) * في إثبات الجهة.
والجواب: المراد الرفع إلى موضع لا يجرى فيه حكم غير الله تعالى كقوله * (وإلى الله ترجع الأمور) * (البقرة: 210) وقال تعالى: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) * (النساء: 100) وكانت الهجرة في ذلك الوقت إلى المدينة، وقال إبراهيم * (إني ذاهب إلى ربي) * (الصافات: 99).