وثانيها: لولا تحرك الرياح لما جرت الفلك وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلا الله فلو أراد كل من في العالم يقلب الريح من الشمال إلى الجنوب، أو إذا كان الهواء ساكنا أن يحركه لتعذر.
المسألة الثانية؛ قال الواحدي: (وتصريف الرياح) أراد وتصريفه الرياح فأضاف المصدر إلى المفعول وهو كثير.
المسألة الثالثة: الرياح جمع الريح قال أبو علي الريح اسم على فعل والعين منه واو انقلبت في الواحد للكسرة ياء فإنه في الجمع القليل أرواح وذلك لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال ألا ترى أن سكون الراء لا يوجب الاعلال، كالواو في قوم وقول، وفي الجمع الكثير رياح انقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها نحو ديمة وديم وحيلة وحيل قال ابن الأنباري: إنما سميت الريح ريحا لأن الغالب عليها في هبوبها المجيء بالروح والراحة وانقطاع هبوبها يكسب الكرب والغم فهي مأخوذة من الروح والدليل على أن أصلها الواو قولهم في الجمع أرواح.
المسألة الرابعة: قالوا: الرياح أربع، الشمال والجنوب والصبا والدبور، فالشمال من نقطة الشمال، والجنوب من نقطة الجنوب، والصبا مشرقية، والدبور مغربية وتسمى الصبا قبولا لأنها استقبلت الدبور وما بين كل واحد من هذه المهاب فهي نكباء.
المسألة الخامسة؛ اختلف القراء في الرياح فقرأ أبو عمرو، وعاصم وابن عامر (الرياح) على الجمع في عشرة مواضع البقرة، والأعراف، والحجر، والكهف، والفرقان والنمل والروم في موضعين، والجاثية وفاطر، وقرأ نافع في اثني عشر موضعا هذه العشرة وفي إبراهيم: * (كرماد اشتدت به الرياح) * (إبراهيم: 18) وفي حم عسق: * (إن يشأ يسكن الرياح) * (الشورى: 33) وقرأ ابن كثير: (الرياح) في خمسة مواضع البقرة والحجر والكهف والروم في موضعين وقرأ الكسائي في ثلاثة مواضع: في الحجر والفرقان والروم الأول منها.
واعلم أن كل واحدة من هذه الرياح مثل الأخرى في دلالتها على الوحدانية، وأما من وحد فإنه يريد به الجنس، كقولهم: أهلك الناس الدينار والدرهم، وإذا أريد بالريح الجنس كانت قراءة من وحد كقراءة من جمع، فأما ما روي في الحديث من أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا هبت الريح قال: " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " فإنه يدل على أن مواضع الرحمة بالجمع أولى، قال تعالى: * (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) * (الروم: 46) وإنما يبشر بالرحمة، وقال في موضع الإفراد: * (في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) * (الذاريات: 41) وقد يختص اللفظ في القرآن بشيء فيكون أمارة له، فمن ذلك أن عامة ما جاء في التنزيل من قوله تعالى: * (وما يدريك لعل الساعة قريب) * (الشورى: 17) وما كان من لفظ أدراك فإنه مفسر