المسألة الأولى: أنه عطف على (تبرأ) وذكروا في تفسير الأسباب سبعة أقوال. الأول: أنها المواصلات التي كانوا يتواصلان عليها، عن مجاهد وقتادة والربيع. الثاني: الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها عن ابن عباس وابن جريج. الثالث: الأعمال التي كانوا يلزمونها عن ابن زيد والسدي. والرابع: العهود والحلف التي كانت بينهم يتوادون عليها، عن ابن عباس. الخامس: ما كانوا يتواصلون به من الكفر وكان بها انقطاعهم عن الأصم. السادس: المنازل التي كانت لهم في الدنيا عن الضحاك والربيع بن أنس. السابع: أسباب النجاة تقطعت عنهم والأظهر دخول الكل فيه، لأن ذلك كالنفي فيعم الكل فكأنه قال: وزال عنهم كل سبب يمكن أن يتعلق به وأنهم لا ينتفعون بالأسباب على اختلافها من منزلة وسبب ونسب وخلف وعقد وعهد، وذلك نهاية ما يكون من اليأس فحصل فيه التوكيد العظيم في الزجر.
المسألة الثانية: الباء في قوله تعالى: * (بهم الأسباب) * بمعنى (عن) كقوله تعالى: * (فاسأل به خبيرا) * أي عنه قال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني * بصير بأدواء النساء طبيب أي عن النساء.
المسألة الثالثة: أصل السبب في اللغة الحبل قالوا: ولا يدعى الحبل سببا حتى ينزل ويصعد به، ومنه قوله تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * (الحج: 15) ثم قيل لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها سبب. يقال: ما بيني وبينك سبب أي رحم ومودة، وقيل للطريق: سبب لأنك بسلوكه تصل الموضع الذي تريده، قال تعالى: * (فأتبع سببا) * (الكهف: 85) أي طريقا، وأسباب السماوات: أبوابها لأن الوصول إلى السماء يكون بدخولها، قال تعالى مخبرا عن فرعون: * (لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات) * (غافر: 36، 37) قال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا تناله * ولو رام أسباب السماء بسلم والمودة بين القوم تسمى سببا لأنهم بها يتواصلون.
أما قوله تعالى: * (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا) * فذلك تمن منهم لأن يتمكنوا من الرجعة إلى الدنيا وإلى حال التكليف فيكون الاختيار إليهم حتى يتبرؤن منهم في الدنيا كما تبرؤا منهم يوم القيامة، ومفهوم الكلام أنهم تمنوا لهم في الدنيا ما يقارب العذاب فيتبرؤن منهم ولا يخلصونهم ولا ينصرونهم كما فعلوا بهم يوم القيامة وتقديره: فلو أن لنا كرة فنتبرأ منهم وقد دهمهم مثل هذا الخطب كما تبرؤا منا والحالة هذه لأنهم إن تمنوا التبرأ منهم