وتحقيق سبيل الهدى. وخامسها: عن عمر رضي الله عنه قال: نعم العدلان وهما: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * ونعمت العلاوة وهي قوله: * (وأولئك هم المهتدون) * وقال ابن مسعود: لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أقول لشيء قضاه الله تعالى: ليته لم يكن.
أما قوله: * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * فاعلم أن الصلاة من الله هي: الثناء والمدح والتعظيم، وأما رحمته فهي: النعم التي أنزلها به عاجلا ثم آجلا.
وأما قوله: * (وأولئك هم المهتدون) * ففيه وجوه. أحدها: أنهم المهتدون لهذه الطريقة الموصلة بصاحبها إلى كل خير. وثانيها: المهتدون إلى الجنة، الفائزون بالثواب. وثالثها: المهتدون لسائر ما لزمهم، والأقرب فيه ما يصير داخلا في الوعد حتى يكون عطفه على ما ذكره من الصلوات والرحمة صحيحا، ولا يكون كذلك إلا والمراد به أنهم الفائزون بالثواب والجنة، والطريق إليها لأن كل ذلك داخل في الاهتداء، وإن كان لا يمتنع أن يراد بذلك أنهم المتأدبون بآدابه المتمسكون بما ألزم وأمر، قال أبو بكر الرازي: اشتملت الآية على حكمين: فرض ونفل، أما الفرض فهو التسليم لأمر الله تعالى، والرضا بقضائه، والصبر على أداء فرائضه، لا يصرف عنها مصائب الدنيا وأما النفل فإظهارا لقوله: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * فإن في إظهاره فوائد جزيلة منها أن غيره يقتدى به إذا سمعه، ومنها غيظ الكفار وعلمهم بجده واجتهاده في دين الله والثبات عليه وعلى طاعته، وحكي عن داود الطائي قال: الزهد في الدنيا أن لا يحب البقاء فيها، وأفضل الأعمال الرضا عن الله ولا ينبغي للمسلم أن يحزن لأنه يعلم أن لكل مصيبة ثوابا.
ولنختم تفسير هذه الآية ببيان الرضا بالقضاء فنقول: العبد إنما يصبر راضيا بقضاء الله تعالى بطريقين: إما بطريق التصرف، أو بطريق الجذب، أما طريق التصرف فمن وجوه. أحدها: أنه متى مال قلبه إلى شيء والتفت خاطره إلى شيء جعل ذلك الشيء منشأ للآفات فحينئذ ينصرف وجه القلب عن عالم الحدوث إلى جانب القدس فإن آدم عليه السلام لما تعلق قلبه بالجنة جعلها محنة عليه حتى زالت الجنة، فبقي آدم مع ذكر الله، ولما استأنس يعقوب بيوسف عليهما السلام أوقع الفراق بينهما حتى بقي يعقوب مع ذكر الحق، ولما طمع محمد عليه السلام من أهل مكة في النصرة والإعانة صاروا من أشد الناس عليه حتى قال: " ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ". وثانيها: أن لا يجعل ذلك الشيء بلاء ولكن يرفعه من البين حتى لا يبقى لا البلاء ولا الرحمة فحينئذ يرجع العبد إلى الله تعالى. وثالثها: أن العبد متى توقع من جانب شيئا أعطاه الله تعالى بلا واسطة خيرا من متوقعه فيستحي العبد فيرجع إلى باب رحمة الله.