في الرجل، وهو ميلها إلى خارجها خلقة، لا يقدر الأحنف أن يرد حنفه، وقوله: (فطرة الله) منصوب، بمعنى: اتبع فطرة الله لأن معنى " فأقم وجهك ": اتبع الدين القيم، واتبع فطرة الله [تعالى]: أي: دين الله [تعالى] والفطرة: الخلقة التي خلق الله عليها البشر. وكذلك قوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة "!، أي: على الإيمان بالله [تعالى]، وقال مجاهد في قوله [تعالى]: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) قال: الإسلام، وكذلك قال قتادة. والذي أشار إليه الزجاج أصح، وإليه ذهب ابن قتيبة، فقال: فرق ما بيننا وبين أهل القدر في هذا الحديث، أن الفطرة عندهم: الإسلام، والفطرة عندنا: الإقرار بالله [عز و جل] والمعرفة به، لا الإسلام ومعنى الفطرة:
ابتداء الخلقة، فالكل أقروا حين قوله [تعالى]: (ألست بربكم؟ قالوا بلى) ولست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا دونه وسماه بغير اسمه، فمعنى الحديث: إن كل مولود في العالم على ذلك العهد وذلك الإقرار الأول، وهو الفطرة، ثم يهود اليهود أبناءهم، أي:
يعلمونهم ذلك، وليس الاقرار الأول مما يقع به حكم ولا ثواب، وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم أجمعوا على أن اليهودي إذا مات له ولد صغير ورثه، وكذلك النصراني، والمجوسي، ولو كان معنى الفطرة الإسلام، ما ورثه إلا المسلمون، ولا دفن إلا معهم، وإنما أراد بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " أي: على تلك البداية التي أقروا له فيها بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم، فمنهم من جحد ذلك بعد إقراره، ومثل هذا الحديث حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:
" قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء "، وذلك أنه لم يدعهم يوم الميثاق إلا إلى حرف واحد، فأجابوه.
قوله تعالى: (لا تبديل لخلق الله) لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي، والتقدير: لا تبدلوا خلق الله [عز وجل] وفيه قولان:
أحدهما: أنه إخصاء البهائم، قاله عمر بن الخطاب [رضي الله عنه].
والثاني: دين الله [عز و جل] قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي و آخرين، وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين.
قوله تعالى: (ذلك الدين القيم) يعني التوحيد المستقيم (ولكن أكثر الناس) يعني كفار مكة (لا يعلمون) توحيد الله [عز و جل].