ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (9) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون (10) الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون (11) قوله تعالى: (أو لم يسيروا في الأرض) أي: أو لم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم كيف أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا.
قوله تعالى: (وأثاروا الأرض) أي: قلبوها للزراعة، ومنه قيل للبقرة: مثيرة. وقرأ أبي بن كعب، ومعاذ القارئ، وأبو حيوة: " وآثروا الأرض " بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء، (و عمروها أكثر مما عمروها) أي: أكثر من عمارة أهل مكة، لطول أعمار أولئك وشدة قوتهم (و جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: بالدلالات (فما كان الله ليظلمهم) بتعذيبهم على غير ذنب (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بالكفر والتكذيب، ودل هذا على أنهم لم يؤمنوا فأهلكوا.
ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: (ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى) يعني الخلة السيئة، وفيها قولان:
أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن.
والثاني: جهنم، قاله السدي.
قوله تعالى: (أن كذبوا) قال الفراء: لأن كذبوا، فلما ألقيت اللام كان نصبا، وقال الزجاج:
لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم. وقيل: السوأى مصدر بمنزلة الإساءة، فالمعنى: ثم كان التكذيب آخر أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبة لهم. وقال مكي بن أبي طالب النحوي: " عاقبة " اسم كان، و " السوأى " خبرها، و " أن كذبوا " مفعول من أجله، ويجوز أن يكون " السوأى " مفعولة ب " أساؤوا "، و " أن كذبوا " خبر كان، ومن نصب " عاقبة " جعلها خبر " كان "، و " السوأى " اسمها، ويجوز أن تكون " أن كذبوا " اسمها. وقرأ الأعمش: " أساؤوا السوء " برفع السوء ".
قوله تعالى: (الله يبدأ الخلق) أي: يخلقهم أولا، ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا، (ثم إليه ترجعون) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص: " ترجعون " بالتاء، فعلى هذا يكون الكلام عائدا من الخبر إلى الخطاب، وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم:
بالياء، لأن المتقدم ذكره غيبة، والمراد بذكر الرجوع: الجزاء على الأعمال، والخلق بمعنى المخلوقين، وإنما قال: " يعيده " على لفظ الخلق.